نجران ، وأهل اليمن ، ومن سكنوا ديار ثمود مثل بليّ ، وكعب ، والضجاغم ، وبهراء ، ومن سكنوا ديار مدين مثل جهينة ، وجرم ، وكذلك من صاروا قبائل عظيمة فنالوا السيادة على القبائل : مثل قريش ، وطي ، وتميم ، وهذيل. فالموصول بمنزلة لام التعريف العهدي ، وقد يقصد بالذين يرثون الأرض كل أمة خلفت أمة قبلها ، فيشمل عادا وثمودا ، فقد قال لكلّ نبيّهم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) [الأعراف : ٧٤] إلخ ولكن المشركين من العرب يومئذ مقصودون في هذا ابتداء. فالموصول بمنزلة لام الجنس.
والاستفهام في قوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ) مستعمل في التعجيب. مثل الذي في قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) [الأعراف : ٩٧] تعجيبا من شدة ضلالتهم إذ عدموا الاهتداء والاتعاظ بحال من قبلهم من الأمم ، ونسوا أن الله قادر على استئصالهم إذا شاءه.
والتعريف في الأرض تعريف الجنس ، أي يرثون أي أرض كانت منازل لقوم قبلهم ، وهذا إطلاق شائع في كلام العرب ، يقولون هذه أرض طيئ ، وفي حديث الجنازة «من أهل الأرض» أي من السكان القاطنين بأرضهم لا من المسلمين الفاتحين فالأرض بهذا المعنى اسم جنس صادق على شائع متعدد ، فتعريفه تعريف الجنس ، وبهذا الإطلاق جمعت على أرضين ، فالمعنى : أو لم يهد للذين يرثون أرضا من بعد أهلها.
والإرث : مصير مال الميت إلى من هو أولى به ، ويطلق مجازا على مماثلة الحي ميتا في صفات كانت له ، من عزّ أو سيادة ، كما فسر به قوله تعالى حكاية عن زكرياء (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) [مريم : ٥ ، ٦] أي يخلفني في النبوءة ، وقد يطلق على القدر المشترك بين المعنيين ، وهو مطلق خلافة المنقرض. وهو هنا محتمل للإطلاقين ، لأنه إن أريد بالكلام أهل مكة فالإرث بمعناه المجازي ، وإن أريد أهل مكة والقبائل التي سكنت بلاد الأمم الماضية فهو مستعمل في القدر المشترك ، وهو كقوله تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] وأيّا ما كان فقيد (مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) تأكيد لمعنى (يَرِثُونَ) ، يراد منه تذكير السامعين بما كان فيه أهل الأرض الموروثة من بحبوحة العيش ، ثم ما صاروا إليه من الهلاك الشامل العاجل ، تصويرا للموعظة بأعظم صورة فهو كقوله تعالى : (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٢٩].
ومعنى (لَمْ يَهْدِ) لم يرشد ويبين لهم ، فالهداية أصلها تبيين الطريق للسائر ، واشتهر استعمالهم في مطلق الإرشاد : مجازا أو استعارة كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦]. وتقدم أن فعلها يتعدى إلى مفعولين ، وأنه يتعدى إلى الأول منهما بنفسه وإلى