وقد دلّ على إرادة التّفصيل تنكير علم في قوله : (بِعِلْمٍ) أي علم عظيم ، فإنّ تنوين (علم) للتعظيم ، وكمال العلم إنّما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة ، وزاد ذلك بيانا قوله : (وَما كُنَّا غائِبِينَ) الذي هو بمعنى : لا يعزب عن علمنا شيء يغيب عنّا ونغيب عنه.
والقصّ : الاخبار ، يقال : قصّ عليه ، بمعنى أخبره ، وتقدّم في قوله تعالى : (يَقُصُّ الْحَقَ) في سورة الأنعام [٥٧].
وجملة : (وَما كُنَّا غائِبِينَ) معطوف على (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) ، وهي في موقع التّذييل.
والغائب ضدّ الحاضر ، وهو هنا كناية عن الجاهل ، لأنّ الغيبة تستلزم الجهالة عرفا ، أي الجهالة بأحوال المغيب عنه ، فإنّها ولو بلغته بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد ، أي : وما كنّا جاهلين بشيء من أحوالهم ، لأنّنا مطّلعون عليهم ، وهذا النّفي للغيبة مثل إثبات المعيّة في قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤].
وإثبات سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص : ٧٨] ـ وقوله ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] لأنّ المسئول عنه هنا هو التّبليغ والمنفيّ في الآيتين الأخريين هو السّؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم ، وهو الذي أريد هنا في قوله : (وَما كُنَّا غائِبِينَ).
[٨ ، ٩] (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))
عطف جملة : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) على جملة (فَلَنَقُصَّنَ) [الأعراف : ٧] ، لما تضمّنته المعطوف عليها من العلم بحسنات النّاس وسيّئاتهم ، فلا جرم أشعرت بأنّ مظهر ذلك العلم وأثره هو الثّواب والعقاب ، وتفاوت درجات العاملين ودركاتهم تفاوتا لا يظلم العامل فيه مثقال ذرّة ، ولا يفوت ما يستحقّه إلّا أن يتفضّل الله على أحد برفع درجة أو مغفرة زلة لأجل سلامة قلب أو شفاعة أو نحو ذلك ، ممّا الله أعلم به من عباده ، فلذلك عقبت جملة : (فَلَنَقُصَّنَ) [الأعراف : ٧] بجملة : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) فكأنّه قيل : فلنقصنّ عليهم بعلم ولنجازينّهم على أعمالهم جزاء لا غبن فيه على أحد.
والتّنوين في قوله : (يَوْمَئِذٍ) عوض عن مضاف إليه دلّ عليه : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ