والمراد بالمفسدين : فرعون وملأه ، فهو من الإظهار في مقام الإضمار تنبيها على أنهم أصيبوا بسوء العاقبة لكفرهم وفسادهم ، والكفر أعظم الفساد لأنه فساد القلب ينشأ عنه فساد الأعمال ، وفي الحديث : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب».
[١٠٤ ـ ١٠٨] (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨))
عطف قول موسى بالواو ، ولم يفصل عمّا قبله ، مع أن جملة هذا القول بمنزلة البيان لجملة (بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى) [الأعراف : ١٠٣] ، لأنه لما كان قوله : (بِآياتِنا) [الأعراف : ١٠٣] حالا من موسى فقد فهم أن المقصود تنظير حال الذين أرسل إليهم موسى بحال الأمم التي مضى الإخبار عنها في المكابرة على التكذيب ، مع ظهور آيات الصدق ، ليتم بذلك تشابه حال الماضين مع حال الحاضرين المكذبين بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فجعلت حكاية محاورة موسى مع فرعون وملئه خبرا مستقلا لأنه لم يحك فيه قوله المقارن لإظهار الآية بل ذكرت الآية من قبل ، بخلاف ما حكي في القصص التي قبلها فإن حكاية أقوال الرسل كانت قبل ذكر الآية ، ولأن القصة هنا قد حكي جميعها باختصار بجمل (بَعَثْنا) [الأعراف : ١٠٣] ، (فَظَلَمُوا) [الأعراف : ١٠٣] ، (فَانْظُرْ) [الأعراف : ١٠٣] ، فصارت جملة : (قالَ) تفصيلا لبعض ما تقدم ، فلا تكون مفصولة لأن الفصل إنما يكون بين جملتين ، لا بين جملة وبين عدة جمل أخرى.
والظاهر أن خطاب موسى فرعون بقوله : (يا فِرْعَوْنُ) خطاب إكرام لأنه ناداه بالاسم الدال على الملك والسلطان بحسب متعارف أمته فليس هو بترفع عليه لأن الله تعالى قال له ولهارون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه : ٤٤] ، والظاهر أيضا أن قول موسى هذا هو أول ما خاطب به فرعون كما دلت عليه سورة طه.
وصوغ حكاية كلام موسى بصيغة التأكيد بحرف (إن) لأن المخاطب مظنة الإنكار أو التردد القوي في صحة الخبر.
واختيار صفة (رَبِّ الْعالَمِينَ) في الإعلام بالمرسل إبطال لاعتقاد فرعون أنه رب