لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨))
جملة : (قالَ الْمَلَأُ) عطف على جملة : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) [الأعراف : ١٢٣] أو على حملة (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ١٠٩]. وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته ، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون ، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة ، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامه. وأنه لم يحر جوابا. راموا إيقاظ ذهنه ، وإسعار حميته ، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون ، ولعلهم رأوا منه تأثرا بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده ، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ).
والاستفهام في قوله : (أَتَذَرُ مُوسى) مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم ، وموسى مفعول (تَذَرُ) أي تتركه متصرفا ولا تأخذ على يده.
والكلام على فعل (تَذَرُ) تقدم في قوله : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً) في الأنعام [٧٠].
وقوم موسى هم من آمن به ، وأولئك هم بنوا إسرائيل كلهم ومن آمن من القبط.
واللام في قوله : (لِيُفْسِدُوا) لام التعليل وهو مبالغة في الإنكار إذ جعلوا ترك موسى وقومه معللا بالفساد ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ، وليست العاقبة معنى من معاني اللام حقيقة ولكنها مجاز : شبه الحاصل عقب الفعل لا محالة بالغرض الذي يفعل الفعل لتحصيله ، واستعير لذلك المعنى حرف اللام عوضا عن فاء التعقيب كما في قوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
والإفساد عندهم هو إبطال أصول ديانتهم وما ينشأ عن ذلك من تفريق الجماعة وحث بني إسرائيل على الحرية ، ومغادرة أرض الاستعباد.
و (الْأَرْضِ) مملكة فرعون وهي قطر مصر.
وقوله : (وَيَذَرَكَ) عطف على (لِيُفْسِدُوا) فهو داخلي التعليل المجازي ، لأنّ هذا