دلائل على غضب الله عليهم لتظافرها عليهم حين صمموا الكفر والعناد.
وانتصب (آياتٍ) على الحال من الطوفان وما عطف عليه ، و (مُفَصَّلاتٍ) اسم مفعول من فصّل المضاعف الدال على قوة الفصل. والفصل حقيقته التفرقة بين الشيئين بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر ، ويستعار الفصل لإزالة اللبس والاختلاط في المعاني ف (مُفَصَّلاتٍ) وصف ل (آياتٍ) ، فيكون مرادا منه معنى الفصل المجازي وهو إزالة اللبس ، لأن ذلك هو الأنسب بالآيات والدلائل ، أي : هي آيات لا شبهة في كونها كذلك لمن نظر نظر اعتبار.
وقيل : المراد أنها مفصول بعضها عن بعض في الزمان ، أي لم تحدث كلها في وقت واحد ، بل حدث بعضها بعد بعض ، وعلى هذا فصيغة التفعيل للدلالة على تراخي المدة بين الواحدة والأخرى ، ويجيء على هذا أن العذاب كان أشد وأطول زمنا كما دل عليه قوله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨] ، قيل : كان بين الآية منها والأخرى مدة شهر أو مدة ثمانية أيام ، وكانت تدوم الواحدة منها مدة ثمانية أيام وأكثر ، وعلى هذا الوجه فالأنسب أن يجعل (مُفَصَّلاتٍ) حالا ثانية من الطوفان والجراد ، وأن لا يجعل صفة (آياتٍ).
والفاء في قوله : (فَاسْتَكْبَرُوا) للتفريع والترتب ، أي : فتفرع على إرسال الطوفان وما بعده استكبارهم ، كما تفرع على أخذهم بالسنين غرورهم بأن ذلك من شؤم موسى ومن معه ، فعلم أن من طبع تفكيرهم فساد الوضع ، وهو انتزاع المدلولات من أضداد أدلتها ، وذلك دليل على انغماسهم في الضلالة والخذلان ، وبعدهم عن السعادة والتوفيق ، فلا يزالون مورطين في وحل الشقاوة.
فالاستكبار : شدة التكبر كما دلت عليه السين والتاء ، أي : عد أنفسهم كبراء ، أي تعاظمهم عن التصديق بموسى وإبطال دينهم إذ أعرضوا عن التصديق بتلك الآيات المفصلات.
وجملة : (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) معطوفة على جملة (فَاسْتَكْبَرُوا) ، فالمعنى : فاستكبروا عن الاعتراف بدلالة تلك الآيات وأجرموا ، وإنما صيغ الخبر عن إجرامهم بصيغة الجملة الاسمية للدلالة على ثبات وصف الإجرام فيهم ، وتمكنه منهم ، ورسوخه فيهم من قبل حدوث الاستكبار ، وفي ذلك تنبيه على أن وصف الإجرام الراسخ فيهم هو علة للاستكبار الصادر منهم ، ف (كان) دالة على استمرار الخبر وهو وصف الإجرام.