في هذا الختام الأسلوب التي اختتمت به القصص التي قبل هذا.
والانتقام افتعال ، وهو العقوبة الشديدة الشبيهة بالنّقم. وهو غضب الحنق على ذنب اعتداء على المنتقم ينكر ويكره فاعله.
وأصل صيغة الافتعال أن تكون لمطاوعة فعل المتعدي بحيث يكون فاعل المطاوعة هو مفعول الفعل المجرد ، ولم يسمع أن قالوا نقمه فانتقم. أي أحفظه وأغضبه فعاقب ، فهذه المطاوعة أميت فعلها المجرد ، وعدوه إلى المعاقب بمن الابتدائية للدلالة على أنه منشأ العقوبة وسببها وأنه مستوجبها ، وتقدم الكلام على المجرد من هذا الفعل عند قوله تعالى آنفا : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) [الأعراف : ١٢٦].
وكان إغراقهم انتقاما من الله لذاته لأنهم جحدوا انفراد الله بالإلهية ، أو جحدوا إلهيته أصلا ، وانتقاما أيضا لبني إسرائيل لأن فرعون وقومه ظلموا بني إسرائيل وأذلوهم واستعبدوهم باطلا.
والإغراق : الإلقاء في الماء المستبحر الذي يغمر الملقى فلا يترك له تنفسا ، وهو بيان للانتقام وتفصيل لمجمله ، فالفاء في قوله : (فَأَغْرَقْناهُمْ) للترتيب الذكري ، وهو عطف مفصّل على مجمل كما في قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤].
وحمل صاحب «الكشاف» الفعل المعطوف عليه هنا على معنى العزم فيكون المعنى: فأردنا الانتقام منهم فأغرقناهم ، وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) في سورة البقرة [٥٤].
واليمّ : البحر والنهر العظيم ، قيل هو كلمة عربية. وهو صنيع «الكشاف» إذ جعله مشتقا من التيمم لأنه يقصد للمنتفعين به ، وقال بعض اللغويين : هو معرب عن السريانية وأصله فيها (يمّا) وقال شيدلة : هو من القبطية ، وقال ابن الجوزي : هو من العبرية ، ولعله موجود في هذه اللغات. ولعل أصله عربي وأخذته لغات أخرى ساميّة من العربية والمراد به هنا بحر القلزم ، المسمى في التوراة بحر سوف ، وهو البحر الأحمر. وقد أطلق (اليم) على نهر النيل في قوله تعالى : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) [طه : ٣٩] وقوله : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) [القصص : ٧] ، فالتعريف في قوله : (الْيَمِ) هنا تعريف العهد الذهني عند علماء المعاني المعروف بتعريف الجنس عند النحاة إذ ليس في العبرة