بدحضها وعدم إعمالها.
وتقديم المجرور في قوله : (بِآياتِنا) على عامله ، وهو (يَظْلِمُونَ) ، للاهتمام بالآيات. وقد ذكرت الآية حال المؤمنين الصّالحين وحال المكذّبين المشركين إذ كان النّاس يوم نزول الآية فريقين : فريق المؤمنين ، وهم كلّهم عاملون بالصّالحات ، مستكثرون منها ، وفريق المشركين وهم أخلياء من الصّالحات ، وبقي بين ذلك فريق من المؤمنين الذين يخلطون عملا صالحا وآخر سيّئا وذلك لم تتعرّض له هذه الآية ، إذ ليس من غرض المقام ، وتعرّضت له آيات آخري.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))
عطف على جملة : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : ٣] فهذا تذكير لهم بأنّ الله هو ولي الخلق ، لأنّه خالقهم على وجه الأرض ، وخالق ما به عيشهم الذي به بقاء وجودهم إلى أجل معلوم ، وتوبيخ على قلّة شكرها ، كما دلّ عليه تذييل الجملة بقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) فإنّ النّفوس التي لا يزجرها التّهديد قد تنفعها الذكريات الصّالحة ، وقد قال أحد الخوارج وطلب منه أن يخرج إلى قتال الحجّاج بن يوسف وكان قد أسدى إليه نعما :
أأقاتل الحجّاج عن سلطانه |
|
بيد تقرّ بأنّها مولاته |
وتأكيد الخبر بلام القسم وقد ، المفيد للتّحقيق ، تنزيل للذين هم المقصود من الخطاب منزّلة من ينكر مضمون الخبر لأنّهم لما عبدوا غير الله كان حالهم كحال من ينكر أنّ الله هو الذي مكّنهم من الأرض ، أو كحال من ينكر وقوع التمكين من أصله.
والتّمكين جعل الشّيء في مكان ، وهو يطلق على الإقدار على التّصرف ، على سبيل الكناية ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) في سورة الأنعام [٦] وهو مستعمل هنا في معناه الكنائي لا الصّريح ، أي جعلنا لكم قدرة ، أي أقدرناكم على أمور الأرض وخوّلناكم التّصرف في مخلوقاتها ، وذلك بما أودع الله في البشر من قوّة العقل والتفكير التي أهلته لسيادة هذا العالم والتّغلب على مصاعبه ، وليس المراد من التّمكين هنا القوّة والحكم كالمراد في قوله تعالى : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) [الكهف : ٨٤] لأنّ ذلك ليس حاصلا بجميع البشر إلّا على تأويل ، وليس المراد بالتمكين أيضا معناه الحقيقي وهو جعل المكان في الأرض لأنّ قوله : (فِي الْأَرْضِ) يمنع من