وفعله يتعدى إلى مفعول واحد ، ومفعوله هو (غَيْرَ اللهِ) لأنه هو الذي ينكر موسى أن يكون يبغيه لقومه.
وتعديته إلى ضمير المخاطبين على طريقة الحذف والإيصال ، وأصل الكلام : أبغي لكم و (إِلهاً) تمييز ل (غَيْرَ).
وجملة : (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) في موضع الحال ، وحين كان عاملها محل إنكار باعتبار معموله ، كانت الحال أيضا داخلة في حيز الإنكار ، ومقررة لجهته.
وظاهر صوغ الكلام على هذا الأسلوب أن تفضيلهم على العالمين كان معلوما عندهم لأن ذلك هو المناسب للإنكار ، ويحتمل أنه أراد إعلامهم بذلك وأنه أمر محقق.
ومجيء المسند فعليا : ليفيد تقديم المسند إليه عليه تخصيصه بذلك الخبر الفعلي أي : وهو فضلكم ، لم تفضلكم الأصنام ، فكان الإنكار عليهم تحميقا لهم في أنهم مغمورون في نعمة الله ويطلبون عبادة ما لا ينعم.
والمراد بالعالمين : أمم عصرهم ، وتفضيلهم عليهم بأنهم ذرية رسول وأنبياء ، وبأن منهم رسلا وأنبياء ، وبأن الله هداهم إلى التوحيد والخلاص من دين فرعون بعد أن تخبطوا فيه ، وبأنه جعلهم أحرارا بعد أن كانوا عبيدا ، وساقهم إلى امتلاك أرض مباركة وأيدهم بنصره وآياته ، وبعث فيهم رسولا ليقيم لهم الشريعة. وهذه الفضائل لم تجتمع لأمة غيرهم يومئذ ، ومن جملة العالمين هؤلاء القوم الذين أتوا عليهم ، وذلك كناية عن إنكار طلبهم اتخاذ أصنام مثلهم ، لأن شأن الفاضل أن لا يقلد المفضول ، لأن اقتباس أحوال الغير يتضمن اعترافا بأنه أرجح رأيا وأحسن حالا ، في تلك الناحية.
(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))
من تتمة كلام موسى عليهالسلام كما يقتضيه السياق ، ويعضده قراءة ابن عامر : و (إِذْ أَنْجاكُمْ) والمعنى : أأبتغي لكم إلها غير الله في حال أنه فضلكم على العالمين ، وفي زمان أنجاكم فيه من آل فرعون بواسطتي ، فابتغاء إله غيره كفران لنعمته ، فضمير المتكلم المشارك يعود إلى الله وموسى ، ومعاده يدل عليه قوله : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) [الأعراف : ١٤٠].