الرؤية الموعود بها في الآخرة ، فكان موسى يحسب أن مثلها ممكن في الدنيا حتى أعلمه الله بأن ذلك غير واقع في الدنيا ، ولا يمتنع على نبي عدم العلم بتفاصيل الشئون الإلهية قبل أن يعلمها الله إياه ، وقد قال الله لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤] ، ولذلك كان أئمة أهل السنة محقين في الاستدلال بسؤال موسى رؤية الله على إمكانها بكيفية تليق بصفات الإلهية لا نعلم كنهها وهو معنى قولهم : «بلا كيف».
وكان المعتزلة غير محقين في استدلالهم بذلك على استحالتها بكل صفة.
وقد يؤول الخلاف بين الفريقين إلى اللفظ ، فإن الفريقين متفقان على استحالة إحاطة الإدراك بذات الله واستحالة التحيز ، وأهل السنة قاطعون بأنها رؤية لا تنافي صفات الله تعالى ، وأما ما تبجح به الزمخشري في «الكشاف» فذلك من عدوان تعصبه على مخالفيه على عادته ، وما كان ينبغي لعلماء طريقتنا التنازل لمهاجاته بمثل ما هاجاهم به ، ولكنه قال فأوجب.
وأعلم أن سؤال موسى رؤية الله تعالى طلب على حقيقته كما يؤذن به سياق الآية وليس هو السؤال الذي سأله بنوا إسرائيل المحكي في سورة البقرة [٥٥] بقوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) وما تمحل به في «الكشاف» من أنه هو ذلك السؤال تكلف لا داعي له.
ومفعول (أَرِنِي) محذوف لدلالة الضمير المجرور عليه في قوله : (إِلَيْكَ).
وفصل قوله : (قالَ لَنْ تَرانِي) لأنه واقع في طريق المحاورة.
و (لَنْ) يستعمل لتأبيد النفي ولتأكيد النفي في المستقبل ، وهما متقاربان ، وإنما يتعلق ذلك كله بهذه الحياة المعبر عنها بالأبد ، فنفت (لن) رؤية موسى ربّه نفيا لا طمع بعده للسائل في الإلحاح والمراجعة بحيث يعلم أن طلبته متعذرة الحصول ، فلا دلالة في هذا النفي على استمراره في الدار الآخرة.
والاستدراك المستفاد من (لكِنِ) لرفع توهم المخاطب الاقتصار على نفي الرؤية بدون تعليل ولا إقناع ، أو أن يتوهم أن هذا المنع لغضب على السائل ومنقصة فيه ، فلذلك يعلم من حرف الاستدراك أن بعض ما يتوهمه سيرفع ، وذلك أنه أمره بالنظر إلى الجبل الذي هو فيه هل يثبت في مكانه ، وهذا يعلم منه أن الجبل سيتوجه إليه شيء من شأن الجلال الإلهي ، وأن قوة الجبل لا تستقر عند ذلك التوجه العظيم ، فيعلم موسى أنه أحرى