بتضاؤل قواه الفانية لو تجلى له شيء من سبحات الله تعالى.
وعلق الشرط بحرف (إن) لأن الغالب استعمالها في مقام ندرة وقوع الشرط أو التعريض بتعذره ، ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوما لله انتفاؤه ، صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء ، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى جائزة عليه تعالى ، خلافا لما اعتاد كثير من علمائنا من الاحتجاج بذلك.
وقوله : (فَسَوْفَ تَرانِي) ليس بوعد بالرؤية على الفرض لأن سبق قوله : (لَنْ تَرانِي) أزال طماعية السائل الرؤية ، ولكنه إيذان بأن المقصود من نظره إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى ، من عدم ثبات قوة الجبل ، فصارت قوة الكلام : أن الجبل لا يستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه فلست أنت بالذي تراني ، لأنك لا تستطيع ذلك ، فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الامتناعي الحاصل بحرف (لو) بدلالة قرينة السابق.
والتجلي حقيقة الظهور وإزالة الحجاب ، وهو هنا مجاز ، ولعله أريد به إزالة الحوائل المعتادة التي جعلها الله حجابا بين الموجودات الأرضية وبين قوى الجبروت التي استأثر الله تعالى بتصريفها على مقادير مضبوطة ومتدرجة في عوالم مترتبة ترتيبا يعلمه الله.
وتقريبه للإفهام شبيه بما اصطلح عليه الحكماء في ترتيب العقول العشرة ، وتلك القوى تنسب إلى الله تعالى لكونها آثارا لقدرته بدون واسطة ، فإذا أزال الله الحجاب المعتاد بين شيء من الأجسام الأرضية وبين شيء من تلك القوى المؤثرة تأثيرا خارقا للعادة اتصلت القوة بالجسم اتصالا تظهر له آثار مناسبة لنوع تلك القوة ، فتلك الإزالة هي التي استعير لها التجلي المسند إلى الله تعالى تقريبا للإفهام ، فلما اتصلت قوة ربانية بالجبل تماثل اتصال الرؤية اندكّ الجبل ، ومما يقرب هذا المعنى ، ما رواه الترمذي وغيره ، من طرق عن أنس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) فوضع إبهامه قريبا من طرف خنصره يقلل مقدار التجلي.
وصعق موسى من اندكاك الجبل فعلم موسى أنه لو توجه ذلك التجلي إليه لانتثر جسمه فضاضا.
وقرأ الجمهور (دَكًّا) ـ بالتنوين ـ والدك مصدر وهو والدق مترادفان ، وهو الهدّ