على تسبب الوصف في المصير الذي صاروا إليه ، ولأنه أجمع وأوجز ، واختيار وصف الفاسقين دون المشركين والظالمين الشائع في التعبير عن الشرك في القرآن ؛ للتنبيه على أن عاقبتهم السوأى تسببت على الشرك وفاسد الأفعال معا.
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦))
يجوز أن تكون هذه الآية تكملة لما خاطب الله به موسى وقومه ، فتكون جملة (سَأَصْرِفُ) إلخ بأسهم ، استئنافا بيانيا ، لأن بني إسرائيل كانوا يهابون أولئك الأقوام ويخشون ، فكأنهم تساءلوا كيف ترينا دارهم وتعدنا بها ، وهل لا نهلك قبل الحلول بها ، كما حكى الله عنهم (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) الآية في سورة العقود [٢٢] وقد حكى ذلك في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد ، فاجيبوا بأن الله سيصرف أولئك عن آياته.
والصرف الدفع أي سأصدّ عن آياتي ، أي عن تعطيلها وإبطالها.
والآيات الشريعة ، ووعد الله أهلها بأن يورثهم أرض الشام ، فيكون المعنى سأتولّى دفعهم عنكم ، ويكون هذا مثل ما ورد في التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين «ها أنا طارد من قدّامك الأموريين إلخ» ، فالصرف على هذا الوجه عناية من الله بموسى وقومه بما يهيئ لهم من أسباب النصر على أولئك الأقوام الأقوياء ، كإلقاء الرعب في قلوبهم ، وتشتيت كلمتهم ، وإيجاد الحوادث التي تفت في ساعد عدتهم أو تكون الجملة جوابا لسؤال من يقول : إذا دخلنا أرض العدو فلعلهم يؤمنون بهدينا ، ويتبعون ديننا ، فلا نحتاج إلى قتالهم ، فأجيبوا بأن الله يصرفهم عن اتباع آياته ؛ لأنهم جبلوا على التكبر في الأرض ، والإعراض عن الآيات ، فالصرف هنا صرف تكويني في نفوس الأقوام ، وعن الحسن : أن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى حد إذا وصل إليه مات قلبه.
وفي قصّ الله تعالى هذا الكلام على محمد صلىاللهعليهوسلم تعريض بكفار العرب بأن الله دافعهم عن تعطيل آياته ، وبأنه مانع كثيرا منهم عن الإيمان بها لما ذكرناه آنفا.
ويجوز أن تكون جملة (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) من خطاب الله تعالى لرسوله محمدصلىاللهعليهوسلم روى الطبري ذلك عن سفيان بن عيينة ، فتكون الجملة معترضة في أثناء قصة بني إسرائيل