قول علماء أصول الفقه : يمتنع تكليف الغافل.
وللتنبيه على أن غفلتهم عن قصد صيغ الإخبار عنهم بصيغة (كانُوا عَنْها غافِلِينَ) للدلالة على استمرار غفلتهم. وكونها دأبا لهم ، وإنما تكون كذلك إذا كانوا قد التزموها ، فأما لو كانت عن غير قصد. فإنها قد تعتريهم وقد تفارقهم.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧))
يجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على جملة (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) [الأعراف : ١٤٦] إلى آخر الآيات على الوجهين السابقين ويجوز أن يكون معطوفة على جملة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأعراف : ١٤٦] ، ويجوز أن تكون تذييلا معترضا بين القصتين وتكون الواو اعتراضية ، وأيّا ما كان فهي آثارها الإخبار عنهم بأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، فإن ذلك لما كان هو الغالب على المتكبرين الجاحدين للآيات ، وكأن لا تخلو جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة ، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر ، كانوا قد يحسب السامع أن ستنفعهم أعمالهم ، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة ، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية ، دون الإضمار ، مع تقدم ذكرهم المقتضي بحسب الظاهر الإضمار فخولف مقتضى الظاهر لذلك.
وإضافة (وَلِقاءِ) إلى (الْآخِرَةِ) على معنى (في) لأنها إضافة إلى ظرف المكان ، مثل (عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٤] أي لقاء الله في الآخرة ، أي لقاء وعده ووعيده.
والحبط فساد الشيء الذي كان صالحا ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) في سورة المائدة [٥].
وجملة : (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مستأنفة استينافا بيانيا ، جوابا عن سؤال ينشأ عن قوله : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) إذ قد يقول سائل : كيف تحبط أعمالهم الصالحة ، فأجيب بأنهم جوزوا كما كانوا يعملون ، فإنهم لما كذبوا بآيات الله كانوا قد أحالوا الرسالة والتبليغ عن الله ، فمن أين جاءهم العلم بأن لهم على أعمالهم الصالحة جزاء حسنا ، لأن ذلك لا يعرف إلّا بإخبار من الله تعالى ، وهم قد عطلوا طريق الإخبار وهو الرسالة ، ولأن الجزاء إنما يظهر في الآخرة ، وهم قد كذبوا بلقاء الآخرة ، فقد قطعوا الصلة بينهم وبين