نزع الخافض.
والأمر يكون بمعنى التكليف وهو ما أمرهم الله به : من المحافظة على الشريعة ، وانتظار رجوعه ، فلم يتموا ذلك واستعجلوا فبدلوا وغيروا ، ويجوز أن يكون بمعنى سبق أي بادرتم فيكون الأمر بمعنى الشأن أي الغضب والسخط كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] وقوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) [هود : ٤٠] فالأمر هو الوعيد ، فإن الله حذرهم من عبادة الأصنام وتوعدهم ، فكان الظن بهم إن وقع منهم ذلك إن يقع بعد طول المدة ، فلما فعلوا ما نهوا عنه بحدثان عهد النهي ، جعلوا سابقين له على طريقة الاستعارة : شبهوا في مبادرتهم إلى أسباب الغضب والسخط بسبق السابق المسبوق ، وهذا هو المعنى الأوضح ، ويوضحه قوله ، في نظير هذه القصة في سورة طه [٨٦] ، حكاية عن موسى : (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي). وقد تعرضت التوراة إلى شيء من هذا المعنى في الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر الخروج «وقال الله لموسى رأيت هذا الشّعب فإذا هو شعب صلب الرقبة فالآن اتركني ليحمي غضبي عليهم فأفنيهم».
وإلقاء الألواح رميها من يده إلى الأرض ، وقد تقدم بيان الإلقاء آنفا. وذلك يؤذن بأنه لما نزل من المناجاة كانت الألواح في يده كما صرح به في التوراة.
ثم إن إلقاءه إياها إنما كان إظهارا للغضب ، أو أثرا من آثار فوران الغضب لما شاهدهم على تلك الحالة ، وما ذكر القرآن ذلك الإلقاء إلّا للدلالة على هذا المعنى إذ ليس فيه من فوائد العبرة في القصة إلّا ذلك ، فلا يستقيم قول من فسرها بأن الإلقاء لأجل إشغال يده بجرّ رأس أخيه ، لأن ذكر ذلك لا جرور فيه ، ولأنه لو كان كذلك لعطف ، وأخذ برأس أخيه بالفاء.
وروي أن موسى عليهالسلام كان في خلقه ضيق ، وكان شديدا عند الغضب ، ولذلك وكز القبطي فقضى عليه ، ولذلك أخذ برأس أخيه يجره إليه ، فهو دليل على فظاعة الفعل الذي شاهده من قومه ، وذلك علامة على الفظاعة ، وتشنيع عليهم ، وليس تأديبا لهم ، لأنه لا يكون تأديبهم بإلقاء ألواح كتب فيها ما يصلحهم ، لأن ذلك لا يناسب تصرف النبوءة (ولذلك جزمنا بأن إعراض رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن كتابة الكتاب الذي همّ بكتابته قبيل وفاته لم يكن تأديبا للقوم على اختلافهم عنده ، كما هو ظاهر قول ابن عباس ، بل إنما كان ذلك لما رأى من اختلافهم في ذلك ، فرأى أن الأولى ترك كتابته ، إذ لم يكن الدين محتاجا