والأخذ مجاز في الإصابة الشديدة المتمكنة تمكن الآخذ من المأخوذ.
و (لو) في قوله : (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ) يجوز أن تكون مستعملة في التمني وهو معنى مجازي ناشئ من معنى الامتناع الذي هو معنى (لو) الأصلي ومنه قول المثل (لو ذات سوار لطمتني) إذ تقدير الجواب. لو لطمتني لكان أهون علي ، وقد صرح بالجواب في الآية وهو (شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ) أي ليتك أردت إهلاكهم أي السبعين الذين معه. فجملة أهلكتهم بدل اشتمال من جملة (شِئْتَ) من قبل خطيئة القوم التي تسبب عنها الرجوع إلى المناجاة.
وعلى هذا التقدير في (لو) لا يكون ، في قوله (أَهْلَكْتَهُمْ) حذف اللام التي من شأنها أن تقترن بجواب (لو) وإنما قال : (أَهْلَكْتَهُمْ) وإياي ولم يقل : أهلكتنا ، للتفرقة بين الإهلاكين لأن إهلاك السبعين لأجل سكوتهم على عبادة العجل ، وإهلاك موسى ، قد يكون لأجل أن لا يشهد هلاك القوم ، قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) نجينا (هُوداً) [هود : ٥٨] الآية ونظائرها كثيرة ، وقد خشي موسى أن الله يهلك جميع القوم بتلك الرجفة لأن سائر القوم أجدر بالإهلاك من السبعين ، وقد أشارت التوراة إلى هذا في الإصحاح «فرجع موسى إلى الله وقال إن الشعب قد أخطأ خطيئة عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة فان غفرت لهم خطيئتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت. فقال الله لموسى من أخطأ إليّ أمحوه من كتابي» فالمحو من الكتاب هو محو تقدير الله له الحياة محو غضب ، وهو المحكي في الآية بقوله (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) وقد خشي موسى أن تكون تلك الرجفة إمارة غضب ومقدمة إهلاك عقوبة على عبادتهم العجل ، فلذلك قال (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) فالسفهاء هم الذين عبدوا العجل وسمي شركهم سفها ؛ لأنه شرك مشوب بخسة عقل إذ جعلوا صورة صنعوها بأنفسهم إلها لهم.
ويجوز أن يكون حرف (لو) مستعملا في معناه الأصلي : من امتناع جوابه لامتناع شرطه ، فيتجه أن يتساءل عن موجب حذف اللام من جواب (لو) ولم يقل : لأهلكتهم مع أن الغالب في جوابها الماضي المثبت أن يقترن باللام فحذف اللام هنا لنكتة أن التلازم بين شرط لو وجوابها هنا قوي لظهور أن الإهلاك من فعل الله وحده فهو كقوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) سورة الواقعة [٧٠] وسيأتي بيانه. ويكون المعنى اعترافا بمنة العفو عنهم فيما سبق ، وتمهيدا للتعريض بطلب العفو عنهم الآن ، وهو المقصود من قوله (أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) أي أنك لم تشأ إهلاكهم حين تلبسوا بعبادة العجل فلا