وقد تقدم معنى : (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) في قوله تعالى : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) في هذه السورة [٨٩].
والمعنى : أن الرحمة التي سألها موسى له ولقومه وعد الله بإعطائها لمن كان منهم متصفا بأنه من المتقين والمؤتين الزكاة ، ولمن كان من المؤمنين بآيات الله ، والآيات تصدق : بدلائل صدق الرسل ، وبكلمات الله التي شرع بها للناس رشادهم وهديهم ، ولا سيما القرآن لأن كل مقدار ثلاث آيات منه هو آية لأنه معجز فدال على صدق الرسول ، وهو المقصود هنا ، وهم الذين يتبعون الرسول الامي إذا جاءهم ، أي يطيعونه فيما يأمرهم ، ولما جعلت هذه الأشياء بسبب تلك الرحمة علم أن التحصيل على بعضها يحصّل بعض تلك الرحمة بما يناسبه ، بشرط الإيمان ، كما علم من آيات أخرى خاطب الله بها موسى كقوله آنفا (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) [الأعراف : ١٥٣] فتشمل هذه الرحمة من اتقى وآمن وآتى الزكاة من بني إسرائيل قبل بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن أتباعهم إياه متعذر الحصول قبل بعثته ، ولكن يجب أن يكونوا عازمين على اتباعه عند مجيئه إن كانوا عالمين بذلك كما قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) النبيئين لما آتيناكم (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ٨١ ، ٨٢]. وتشمل الرحمة أيضا الذين يؤمنون بآيات الله ، والمعنى بها الآيات التي ستجيء في المستقبل ، لأن آيات موسى قد استقر الإيمان بها يومئذ ، وهذا موجب إعادة اسم الموصول في ذكر أصحاب هذه الصلة ، للإشارة إلى أنهم طائفة أخرى ، وهم من يكون عند بعثة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولذلك أبدل منهم قوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ) إلخ. وهو إشارة إلى اليهود والنصارى الكائنين في زمن البعثة وبعدها لقوله : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ) ولقوله : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فإنه يدل على أنهم كانوا أهل شريعة فيها شدة وحرج ، والمراد بآيات الله: القرآن ، لأن ألفاظه هي المخصوصة باسم الآيات ، لأنها جعلت معجزات للفصحاء عن معارضتها. ودالة على أنها من عند الله وعلى صدق رسوله ، كما تقدم في المقدمة الثامنة.
وفي هذه الآية بشارة ببعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وهي مشيرة إلى ما في التوراة من الإصحاح العاشر حتى الرابع عشر ، والاصحاح الثامن عشر من سفر التثنية : فإن موسى بعد أن ذكرهم بخطيئة عبادتهم العجل ، وذكر مناجاته لله للدعاء لهم بالمغفرة ، كما تضمنه