الاصحاح التاسع من ذلك السفر ، وذكرناه آنفا في تفسير قوله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) ، ثم ذكر في الإصحاح العاشر أمرهم بالتقوى بقوله : «فالآن يا إسرائيل ما يطلب منك الرب إلا أن تتقي ربك لتسلك في طرقه وتحبه». ثم ذكر فيه وفي الثلاثة بعده وصايا تفصيلا للتقوى ، ثم ذكر في الاصحاح الرابع عشر الزكاة فقال «تعشيرا تعشر كل محصول زرعك سنة بسنة عشر حنطتك وخمرك وزيتك وأبكار بقرك وغنمك ، وفي آخر ثلاث سنين تخرج كل عشر محصولك في تلك السنة فتضعه في أبوابك فيأتي اللاوي والغريب واليتيم والأرملة الذين على أبوابك فيأكلون ويشبعون» إلخ. ثم ذكر أحكاما كثيرة في الإصحاحات الثلاثة بعده.
ثم في الإصحاح الثامن عشر قوله : «يقيم لك الرب نبيا ومن وسط أخواتك مثلي له تسمعون حسب كل ما طلبت من الرب في حوريب (أي جبل الطور حين المناجاة) يوم الاجتماع قال لي الرب أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به» فدل هذا على أن هذا النبي من غير بني إسرائيل لقوله : «من وسط إخوتك» فإن الخطاب لبني إسرائيل ، ولا يكونون إخوة لأنفسهم. وإخوتهم هم أبناء أخي أبيهم : إسماعيل أخي إسحاق ، وهم العرب ، ولو كان المراد به نبيئا من بني إسرائيل مثل (صمويل) كما يؤوله اليهود لقال : من بينكم أو من وسطكم ، وعلم أن النبي رسول بشرع جديد من قوله : «مثلك» فإن موسى كان نبيا رسولا ، فقد جمع القرآن ذلك كله في قوله: (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) إلخ.
ومن نكت القرآن الجمع في هذه الآية بين وصفي النبوة والرسالة للإشارة إلى أن اليهود بدّلوا وصف الرسول ، وعبروا عنه بالنبيء ، ليصدق على أنبياء ليصدق على أنبياء بني إسرائيل ، وغفلوا عن مفاد قوله مثلك ، وحذفوا وصف الأمي ، وقد كانت هذه الآية سبب إسلام الحبر العظيم الأندلسي السموأل بن يحيى اليهودي ، كما حكاه عن نفسه في كتابه الذي سماه «غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود».
فهذه الرحمة العظيمة تختص بالذين آمنوا بالنبيء صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى ، وتشمل الرسل والأنبياء الذين أخذ الله عليهم العهد بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم فكانوا عالمين ببعثته يقينا فهم آمنوا به ، وتنزلوا منزلة من اتبع ما جاء به ، لأنهم استعدوا لذلك ، وتشمل المسلمين من العرب وغيرهم غير بني إسرائيل ، لأنهم ساروا من آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام من اليهود في اتباع الرسول النبي الأمي.