وشدة شريعتهم.
وذكر الإنجيل هنا لأنه منزل لبني إسرائيل ، وقد آمن به جمع منهم ومن جاء بعدهم من خلفهم ، وقد أعلم الله موسى بهذا.
والمكتوب في التوراة هو ما ذكرناه آنفا ، والمكتوب في الإنجيل بشارات جمة بمحمدصلىاللهعليهوسلم ، وفي بعضها التصريح بأنه يبعث بعثة عامة ، ففي إنجيل متّى في الإصحاح الرابع والعشرين «ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرون ، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى (أي يدوم شرعه إلى نهاية العالم) فهذا يخلص ويكرز (١) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى» (أي منتهى الدنيا) ، وفي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر «وإما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» (ومعنى باسمي أي بمماثلتي وهو كونه رسولا مشرعا لا نبيّا موكدا).
وتقدم ذكر التوراة والإنجيل في أول سورة آل عمران.
وجملة : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) قال أبو علي الفارسي : «هي بيان للمكتوب عندهم ولا يجوز أن تكون حالا من ضمير (يَجِدُونَهُ) لأن الضمير راجع للذكر والاسم. والذكر والاسم لا يأمران» أي فتعين كون الضمير مجازا ، وكون الآمر بالمعروف هو ذات الرسول لا وصفه وذكره ، ولا شك أن المقصود من هذه الصفات تعريفهم بها ؛ لتدلهم على تعيين الرسول الأمي عند مجيئه بشريعة هذه صفاتها.
وقد جعل الله المعروف والمنكر ، والطيبات ، والخبائث ، والإصر والأغلال متعلقات لتشريع النبي الأمي وعلامات ، فوجب أن يكون المراد منها ما يتبادر من معاني ألفاظها للأفهام المستقيمة.
فالمعروف شامل لكل ما تقبله العقول والفطر السليمة ، والمنكر ضده ، وقد تقدم بيانهما عند قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) في سورة آل عمران [١٠٤].
__________________
(١) وقعت كلمة (يكرز) في ترجمة الإنجيل للآباء اليسوعيين وأريد بها (يتنبّأ) ولا أعرف لها أصلا في العربية.