ويجمعها معنى : الفطرة ، التي هي قوام الشريعة المحمدية كما قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] ، وهذه أوضح علامة لتعرف أحكام الشريعة المحمدية.
والطيبات : جمع طيبة ، وقد روعي في التأنيث معنى الأكيلة ، أو معنى الطّعمة ، تنبيها على أن المراد الطيبات من المأكولات ، كما دل عليه قوله في نظائرها نحو : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) في البقرة [١٦٨] وقوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) في سورة المائدة [٤] ، وليس المراد الأفعال الحسنة ؛ لأن الأفعال عرّفت بوصف المعروف والمنكر. والمأكولات لا تدخل في المعروف والمنكر ، إذ ليس للعقل حظ في التمييز بين مقبولها ومرفوضها ، وإنما تمتلك الناس فيها عوائدهم ، ولما كان الإسلام دين الفطرة ولا اعتداد بالعوائد فيه ، ناط حال المأكولات بالطّيب وحرمتها بالخبث ، فالطّيب ما لا ضر فيه ولا وخامة ولا قذارة ، والخبيث ما أضر ، أو كان وخيم العاقبة ، أو كان مستقذرا لا يقبله العقلاء ، كالنجاسة ، وهذا ملاك المباح والمحرم من المآكل ، فلا تدخل العادات إلّا في اختيار أهلها ما شاءوا من المباح ، فقد كانت قريش لا تأكل الضب ، وقد وضع على مائدة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكره أن يأكل منه ، وقال : «ما هو بحرام ولكنه لم يكن من طعام قومي فأجدني أعافه» ولهذا فالوجه : إن كل ما لا ضر فيه ولا فساد ولا قذارة فهو مباح ، وقد يكون مكروها اعتبارا بمضرة خفيفة ، فلذلك ورد النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع ، ومحمله عند مالك في أشهر الروايات عنه ، على الكراهة ، وهو الذي لا ينبغي التردد فيه ، وأي ضر في أكل لحم الأسد ، وكذلك إباحة أكل الخشاش والحشرات والزواحف البرية والبحرية ، لاختلاف عوائد الناس في أكلها وعدمه ، فقد كانت جرم لا يأكلون الدجاج ، وفقعس يأكلون الكلب ، فلا يحجر على قوم لأجل كراهية غيرهم مما كرهه ذوقه أو عادة قومه ، وقد تقدم شيء من هذا في آية سورة المائدة ، فعلى الفقيه أن يقصر النظر على طبائع المأكولات وصفاتها ، وما جهلت بعض صفاته وحرمته الشريعة مثل تحريم الخنزير.
ووضع الإصر إبطال تشريعه ، أي بنسخ ما كان فيه شدة من الشرائع الإلهية السابقة ، وحقيقة الوضع الحط من علو إلى سفل ، وهو هنا مجاز في إبطال التكليف بالأعمال الشاقة.
وحقه التعدية إلى المفعول الثاني بحرف (في) الظرفية ، فإذا عدي إليه ب (عن) دل