بكونه رسولا من الله ، وذلك قطع لمعذرة النصارى في التردد في الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم واقتضى أن الرسول يؤمن بأن عيسى كلمة الله ، وليس ابن الله ، وفي ذلك بيان للإيمان الحق ، ورد على اليهود فيما نسبوه إليه ، ورد على النصارى فيما غلوا فيه.
والقول في معنى الاتّباع تقدم ، وكذلك القول في نحو (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩))
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) عطف على قوله : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً) [الأعراف : ١٤٨] الآية ، فهذا تخصيص لظاهر العموم الذي في قوله : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى) [الأعراف : ١٤٨] قصد به الاحتراس لئلا يتوهم أن ذلك قد عمله قوم موسى كلّهم ، وللتنبيه على دفع هذا التوهم ، قدّم (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) على متعلقه.
وقوم موسى هم أتباع دينه من قبل بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم فمن بقي متمسكا بدين موسى ، بعد بلوغ دعوة الإسلام إليه ، فليس من قوم موسى ، ولكن يقال هو من بني إسرائيل أو من اليهود ، لأن الإضافة في (قَوْمِ مُوسى) تؤذن بأنهم متبعو دينه الذي من جملة أصوله ترقب مجيء الرسول الأمي صلىاللهعليهوسلم.
و (أُمَّةٌ) : جماعة كثيرة متفقة في عمل يجمعها ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (أُمَّةً واحِدَةً) في سورة البقرة [٢١٣] ، والمراد أن منهم في كل زمان قبل الإسلام.
و (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي يهدون الناس من بني إسرائيل أو من غيرهم ببث فضائل الدين الإلهي ، وهو الذي سماه الله بالحق ويعدلون أي يحكمون حكما لا جور فيه.
وتقديم المجرور في قوله : (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) للاهتمام به ولرعاية الفاصلة ، إذ لا مقتضي لإرادة القصر ، بقرينة قوله : (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) حيث لم يقدم المجرور ، والمعنى : إنهم يحكمون بالعدل على بصيرة وعلم ، وليس بمجرد مصادفة الحق عن جهل ، فإن القاضي الجاهل إذا قضى بغير علم كان أحد القاضيين اللذين في النار ، ولو صادف الحق ، لأنه بجهله قد استخف بحقوق الناس ولا تنفعه مصادفة الحق ؛ لأن تلك المصادفة لا عمل له فيها.
(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ