مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠))
(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً).
عطف على قوله (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ) [الأعراف : ١٥٩] إلخ ، فإن ذلك التقطيع وقع في الأمة الذين يهدون بالحق.
والتقطيع شدة في القطع وهو التفريق ، والمراد به التقسيم ، وليس المراد بهذا الخبر الذم ، ولا بالتقطيع العقاب ، لأن ذلك التقطيع منة من الله ، وهو من محاسن سياسة الشريعة الموسوية ، ومن مقدمات نظام الجماعة كما فصله السفر الرابع ، وهو سفر عدد بني إسرائيل وتقسيمهم ، وهو نظير ما فعل عمر بن الخطاب من تدوين الديوان ، وهم كانوا منتسبين إلى أسباط إسحاق ، ولكنهم لم يكونوا مقسمين عشائر لمّا كانوا في مصر ، ولمّا اجتازوا البحر ، فكان التقسيم بعد اجتيازهم البحر الأحمر ، وقبل انفجار العيون ، وهو ظاهر القرآن في سورة البقرة وفي هذه السورة لقوله فيهما : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) وذكره هنا الاستسقاء عقب الانقسام إلى اثنتي عشرة أمة ، وذلك ضروري أن يكون قبل الاستسقاء ، لأنه لو وقع السقي قبل التقسيم لحصل من التزاحم على الماء ما يفضي إلى الضر بالقوم ، وظاهر التوراة أنهم لما مروا بحوريب ، وجاء شعيب للقاء موسى : إن شعيبا أشار على موسى أن يقيم لهم رؤساء ألوف ، ورؤساء مئات ، ورؤساء خماسين ، ورؤساء عشرات ، حسب الإصحاح ١٨ من الخروج ، وذلك يقتضي أن الأمة كانت منتسبة قبائل من قبل ، ليسهل وضع الرؤساء على الأعداد ، ووقع في السنة الثانية من خروجهم أن الله أمر موسى أن يحصي جميع بني إسرائيل ، وأن موسى وهارون جمعا جميع بني إسرائيل فانتسبوا إلى عشائرهم وبيوت آبائهم ، كما في الإصحاح الأول من سفر العدد ، وتقدم ذكر الأسباط عند قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) في سورة البقرة [١٣٦].
وجيء باسم العدد بصيغه التأنيث في قوله : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله : (أُمَماً) عليه.
و (أَسْباطاً) حال من الضمير المنصوب في (وَقَطَّعْناهُمُ) ولا يجوز كونه تمييزا لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلّا مفردا.
وقوله : (أُمَماً) بدل من أسباط أو من اثنتي عشرة ، وعدل عن جعل أحد الحالين