تمييزا في الكلام إيجازا وتنبيها على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة. وأن كل سبط من أولئك قد صار أمة ، قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) [الأعراف : ٨٦] مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم ، لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ).
هذا مظهر من مظاهر حكمة تقسيمهم إلى اثني عشر سبطا ولم يعطف هذا الخبر بالفاء لإفادة أنه منة مستقلة.
وتفسير هذه الآية مضى في مشابهتها عند قوله : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) في سورة البقرة [٦٠].
و (فَانْبَجَسَتْ) مطاوع بجس إذا شق ، والتعقيب الذي دلت عليه الفاء تعقيب مجازي تشبيها لقصر المهلة بالتعقيب ونظائره كثيرة في القرآن ، ومنه ما وقع في خبر الشّرب إلى أم زرع قولها : «فلقي امرأة معها ولدان كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين فطلّقني ونكحها» إذ التقدير فأعجبته فطلقني ونكحها.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
ضمائر الغيبة راجعة إلى قوم موسى ، وهذه الآية نظير ما في سورة البقرة سوى اختلاف بضميري الغيبة هنا وضميري الخطاب هناك لأن ما هنالك قصد به التوبيخ.
وقد أسند فعل (قيل) في قوله : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) [الأعراف : ١٦١] إلى المجهول وأسند في سورة البقرة [٥٨] إلى ضمير الجلالة وإذ قلنا لظهور أن هذا القول لا يصدر إلّا من الله تعالى.
[١٦١ ، ١٦٢] (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢))