و (العتو) تقدم عند قوله تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) في هذه السورة [٧٧].
وقوله : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) تقدم القول في نظيره عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) في سورة البقرة [٦٥] ، ولأجل التشابه بين الآيتين ، وذكر العدو في السبت فيهما ، وذكره هنا في الإخبار عن القرية ، جزم المفسرون بأن الذين نسوا ما ذكروا به وعتوا عما نهوا عنه هم أهل هذه القرية ، وبأن الأمة القائلة (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) هي أمة من هذه القرية فجزموا بأن القصة واحدة ، وهذا وإن كان لا ينبو عنه المقام ، كما أنه لا يمنع تشابه فريقين في العذاب ، فقد بينت أن ذلك لا ينافي جعل القصة في معنى قصتين من جهة الاعتبار.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧))
عطف على جملة : (وَسْئَلْهُمْ) [الأعراف : ١٦٣] بتقدير اذكر ، وضمير (عَلَيْهِمْ) عائد إلى اليهود المتقدم ذكرهم بالضمير الراجع إليهم بدلالة المقام في قوله تعالى: (وَسْئَلْهُمْ) [الأعراف : ١٦٣] كما تقدم بيان ذلك كله مستوفى عند قوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) [الأعراف : ١٦٣] فالمتحدث عنهم بهذه الآية لا علاقة لهم بأهل القرية الذين عدوا في السبت.
و (تَأَذَّنَ) على اختلاف إطلاقاته ، ومما فيه هنا مشتق من الإذن وهو العلم ، يقال: أذن أي علم ، وأصله العلم بالخبر ، لأن مادة هذا الفعل وتصاريفه جائية من الأذن ، اسم الجارحة التي هي آلة السمع ، فهذه التصاريف مشتقة من الجامد نحو استحجر الطين أي صار حجرا ، واستنسر البغاث أي صار نسرا ، فتأذن : بزنة تفعل الدالة على مطاوعة فعل ، والمطاوعة مستعملة في معنى قوة حصول الفعل ، فقيل : هو هنا بمعنى أفعل كما يقال: توعد بمعنى أوعد فمعنى (تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أعلم وأخبر ليبعثن ، فيكون فعل أعلم معلقا عن العمل بلام القسم ، وإلى هذا مال الطبري ، قال ابن عطية : وهذا قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذن إلى الفاعل غير نسبة أعلم ، ويتبين ذلك من التعدي وغيره ، وعن مجاهد : (تَأَذَّنَ) تألّى قال في «الكشاف» معناه عزم ربّك ، لأن العازم على الأمر يحدث نفسه به» أراد أن إشرابه معنى القسم ناشئ عن مجاز فأطلق التأذن على العزم ، لأن العازم على الأمر يحدث به نفسه ، فهو يؤذنها بفعله فتعزم نفسه ، ثم أجرى مجرى فعل القسم مثل علم