إعراضهم وعنادهم وكونهم أتباع ملة اليهودية مع عدم الوفاء بها ، فإذا أسلموا وآمنوا بالرسول النبي الأمي فقد خرجوا عن موجب ذلك التأذن ودخلوا فيما وعد الله به المسلمين.
ولذلك ذيل هذا بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) أي لهم ، والسرعة تقتضي التحقق ، أي أن عقابه واقع وغير متأخر. لأن التأخر تقليل في التحقيق إذ التأخر استمرار العدم مدة ما.
وأول من سلط عليهم «بخت نصّر» ملك (بابل). ثم توالت عليهم المصائب فكان أعظمها خراب (أرشليم) في زمن (أدريانوس) انبراطور (رومة) ولم تزل المصائب تنتابهم وينفس عليهم في فترات معروفة في التاريخ.
وأما قوله : (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو وعد بالإنجاء من ذلك إذا تابوا واتبعوا الإسلام ، أي لغفور لمن تاب ورجع إلى الحق ، وفيه إيماء إلى أن الله قد ينفس عليهم في فترات من الزمن لأن رحمة الله سبقت غضبه ، وقد ألمّ بمعنى هذه الآية قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٤ ـ ٨].
(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨))
عطف قصة على قصة ، وهو عود إلى قصص الإخبار عن أحوالهم ، فيجوز أن يكون الكلام إشارة إلى تفرقهم بعد الاجتماع ، والتقطيع التفريق ، فيكون محمودا مثل (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) [الأعراف : ١٦٠] ، ويكون مذموما ، فالتعويل على القرينة لا على لفظ التقطيع.
فالمراد من الأرض الجنس أي في أقطار الأرض.