ووقعت جملة : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) إلى آخرها عقب التي قبلها : لأن مضمونها مقابل حكم التي قبلها إذ حصل من التي قبلها أن هؤلاء الخلف الذين أخذوا عرض الأدنى قد فرطوا في ميثاق الكتاب ، ولم يكونوا من المتقين ، فعقب ذلك ببشارة من كانوا ضد أعمالهم ، وهم الآخذون بميثاق الكتاب والعاملون ببشارته بالرسل ، وآمنوا بمحمدصلىاللهعليهوسلم. فأولئك يستكملون أجرهم لأنهم مصلحون. فكني عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم بإقامة الصلاة ، لأن الصلاة شعار دين الإسلام ، حتى سمي أهل الإسلام أهل القبلة ، فالمراد من هؤلاء هم من آمن من اليهود بعيسى في الجملة وإن لم يتبعوا النصرانية ، لأنهم وجدوها مبدّلة محرّفة فبقوا في انتظار الرسول المخلّص الذي بشرت به التوراة والإنجيل ، ثم آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم حين بعث : مثل عبد الله بن سلام.
ويحتمل أن المراد بالذين يمسكون بالكتاب : المسلمون ، ثناء عليهم بأنهم الفائزون في الآخرة وتبشيرا لهم بأنهم لا يسلكون بكتابهم مسلك اليهود بكتابهم.
وجملة : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) خبر عن الذين يمسكون ، والمصلحون هم ، والتقدير : إنّا لا نضيع أجرهم لأنهم مصلحون ، فطوي ذكرهم اكتفاء بشمول الوصف لهم وثناء عليهم على طريقة الإيجاز البديع.
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١))
عاد الكلام إلى العبرة بقصص بني إسرائيل مع موسى عليهالسلام ، لأن قصة رفع الطور عليهم من أمهات قصصهم ، وليست مثل قصة القرية الذين اعتدوا في السبت ، ولا مثل خبر إيذانهم بمن يسومهم سوء العذاب. فضمائر الجمع كلها هنا مراد بها بنو إسرائيل الذين كانوا مع موسى ، بقرينة المقام.
والجملة معطوفة على الجمل قبلها.
و (إِذْ) متعلقة بمحذوف تقديره : واذكر إذ نتقنا الجبل فوقهم.
والنتق : الفصل والقلع. والجبل الطور.
وهذه آية أظهرها الله لهم تخويفا لهم ، لتكون مذكرة لهم ، فيعقب ذلك أخذ العهد عليهم بعزيمة العمل بالتوراة ، فكان رفع الطور معجزة لموسى عليهالسلام تصديقا له فيما