سيبلغهم عن الله من أخذ أحكام التوراة بعزيمة ومداومة والقصة تقدمت في سورة البقرة [٦٣] عند قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ).
والظلة السحابة ، وجملة : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) مقولة لقول محذوف يدل عليه نظم الكلام ، وحذف القول في مثله شائع كثير ، وتقدم نظيرها في سورة البقرة.
وعدّي (واقِعٌ) بالباء : للدلالة على أنهم كانوا مستقرين في الجبل فهو إذا ارتفع وقع ملابسا لهم ففتتهم ، فهم يرون أعلاه فوقهم وهم في سفحه ، وهذا وجه الجمع بين قوله (فَوْقَهُمْ) وبين باء الملابسة. وجعل بعض المفسرين الباء بمعنى (على).
وجملة : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) مقول قول محذوف. وتقدم تفسير نظيرها في سورة البقرة.
[١٧٢ ـ ١٧٤] (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤))
هذا كلام مصروف إلى غير بني إسرائيل ، فإنهم لم يكونوا مشركين والله يقول (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) فهذا انتقال بالكلام إلى محاجة المشركين من العرب ، وهو المقصود من السورة ابتداء ونهاية ، فكان هذا الانتقال بمنزلة رد العجز على الصدر. جاء هذا الانتقال بمناسبة ذكر العهد الذي أخذ الله على بني إسرائيل في وصية موسى ، وهو ميثاق الكتاب ، وفي يوم رفع الطور. وهو عهد حصل بالخطاب التكويني أي بجعل معناه في جبلة كل نسمة وفطرتها ، فالجملة معطوفة على الجمل السابقة عطف القصة على القصة. والمقصود به ابتداؤهم المشركون.
وتبدّل أسلوب القصة واضح إذ اشتملت هذه القصة على خطاب في قوله : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) إلى آخر الآية. وإذ صرح فيها بمعاد ضمير الغيبة وهو قوله (مِنْ بَنِي آدَمَ) فعموم الموعظة تابع لعموم العظة. فهذا ابتداء لتقريع المشركين على الإشراك ، وما ذكر بعده إلى آخر السورة مناسب لأحوال المشركين.
و (إِذْ) اسم للزمن الماضي ، وهو هنا مجرد عن الظرفية ، فهو مفعول به لفعل «اذكر»