البقرة [٣٠].
وأطلق القول إما حقيقة فذلك قول خارق للعادة ، وإمّا مجازا على دلالة حالهم على أنهم مربوبون لله تعالى ، كما أطلق القول على مثله في قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] أي ظهرت فيهما آثار أمر التكوين. وقال أبو النجم :
قالت له الطير تقدم راشدا |
|
إنك لا ترجع إلا حامدا |
فهو من المجاز الذي كثر في كلام العرب.
و (بَلى) حرف جواب لكلام فيه معنى النفي ، فيقتضي إبطال النفي وتقرير المنفي ، ولذلك كان الجواب بها بعد النفي أصرح من الجواب بحرف (نعم) ، لأن نعم تحتمل تقرير النفي وتقرير المنفي ، وهذا معنى ما نقل عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : «لو قالوا نعم لكفروا» أي لكان جوابهم محتملا للكفر ، ولما كان المقام مقام إقرار كان الاحتمال فيه تفصيا من الاعتراف.
وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ذرياتهم ، بالجمع ، وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) ، بالإفراد.
وقولهم : (شَهِدْنا) تأكيد لمضمون (بَلى) والشهادة هنا أيضا بمعنى الإقرار.
ووقع (أَنْ تَقُولُوا) في موقع التعليل لفعل الأخذ والإشهاد ، فهو على تقرير لام التعليل الجارة ، وحذفها مع أن جار على المطرد الشائع. والمقصود التعليل بنفي أن يقولوا (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) لا بإيقاع القول ، فحذف حرف النفي جريا على شيوخ حذفه مع القول ، أو هو تعليل بأنهم يقولون ذلك ، إن لم يقع إشهادهم على أنفسهم كما تقدم عند قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ) في سورة الأنعام [١٥٦].
وقرأ الجمهور : أن تقولوا ـ بتاء الخطاب ـ وقد حول الأسلوب من الغيبة إلى الخطاب ، ثم من خطاب الرسول إلى خطاب قومه ، تصريحا بأن المقصود من قصة أخذ العهد تذكير المشركين بما أودع الله في الفطرة من التوحيد ، وهذا الأسلوب هو من تحويل الخطاب عن مخاطب إلى غيره ، وليس من الالتفاف لاختلاف المخاطبين. وقرأه أبو عمرو ، وحده : بياء الغيبة ، والضمير عائد إلى ذريات بني آدم.
والإشارة ب (هذا) إلى مضمون الاستفهام وجوابه وهو الاعتراف بالربوبية لله تعالى