ودلّ قوله : (فَما يَكُونُ لَكَ) على أنّ ذلك الوصف لا يغتفر منه ، لأنّ النّفي بصيغة (ما يكون لك) كذا أشدّ من النّفي ب (ليس لك كذا) كما تقدّم عند قوله تعالى: (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) الآية في آل عمران [٧٩] ، وهو يستلزم هنا نهيا لأنّه نفاه عنه مع وقوعه ، وعليه فتقييد نفي التّكبّر عنه بالكون في السّماء لوقوعه علّة للعقوبة الخاصة وهي عقوبة الطّرد من السّماء ، فلا دلالة لذلك القيد على أنّه يكون له أن يتكبّر في غيرها ، وكيف وقد علم أنّ التّكبّر معصية لا تليق بأهل العالم العلويّ.
وقوله : (فَاخْرُجْ) تأكيد لجملة (فَاهْبِطْ) بمرادفها ، وأعيدت الفاء مع الجملة الثّانية لزيادة تأكيد تسبّب الكبر في إخراجه من الجنّة.
وجملة : (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) يجوز أن تكون مستأنفة استينافا بيانيا ، إذا كان المراد من الخبر الإخبار عن تكوين الصّغار فيه بجعل الله تعالى إياه صاغرا حقيرا حيثما حلّ ، ففصلها عن التي قبلها للاستيناف ، ويجوز أن تكون واقعة موقع التّعليل للإخراج على طريقة استعمال (إنّ) في مثل هذا المقام استعمال فاء التّعليل ، فهذا إذا كان المراد من الخبر إظهار ما فيه من الصّغار والحقارة التي غفل عنها فذهبت به الغفلة عنها إلى التّكبّر.
وقوله : (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) أشدّ في إثبات الصّغار له من نحو : إنّك صاغر ، أو قد صغرت ، كما تقدّم في قوله تعالى : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) في سورة الأنعام [٥٦] ، وقوله آنفا : (لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). والصّاغر المتّصف بالصّغار وهو الذلّ والحقارة ، وإنّما يكون له الصّغار عند الله لأنّ جبلته صارت على غير ما يرضي الله ، وهو صغار الغواية ، ولذلك قال بعد هذا : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) [الأعراف : ١٦].
[١٤ ، ١٥] (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥))
لمّا كوّن الله فيه الصّغار والحقارة بعد عزّة الملكية وشرفها انقلبت مرامي همّته إلى التّعلق بالسّفاسف (إذا ما لم تكن إبل فمعزى) فسأل النّظرة بطول الحياة إلى يوم البعث ، إذ كان يعلم قبل ذلك أنّه من الحوادث الباقية لأنّه من أهل العالم الباقي ، فلمّا أهبط إلى العالم الأرضي ظنّ أنّه صائر إلى العدم فلذلك سأل النظرة إبقاء لما كان له من قبل ، وإذ قد كان ذلك بتقدير الله تعالى وعلمه ، وبدر من إبليس طلب النظرة ، قال الله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أي إنّك من المخلوقات الباقية.
وقد أفاد التّأكيد بإنّ والإخبار بصيغة (مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أنّ إنظاره أمر قد قضاه الله