لأنهم شابهوه في أنهم أتوا القرآن فكذبوا به ، فكانت حالهم كحال ذلك المكذب ، والأظهر أن تكون الإشارة إلى المثل في قوله : (كَمَثَلِ الْكَلْبِ) أي حال الكلب المذكورة كحال المشركين المكذبين في أنهم كانوا يودون معرفة دين إبراهيم ، ويتمنون مساواة أهل الكتاب في العلم والفضل ، فكانوا بذلك في عناء وحيرة في الجاهلية فلما جاءهم رسول منهم بكتاب مبين انتقلوا إلى عناء معاندته كقوله تعالى : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام : ١٥٧] وهذا تأويل ما روي عن عبادة بن الصامت أن آية (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) إلى آخرها نزلت في قريش.
وفرع على ذلك الأمر بقوله : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) أي اقصص هذه القصة وغيرها ، وهذا تذييل للقصة الممثل بها يشملها وغيرها من القصص التي في القرآن ، فإن في القصص تفكرا وموعظة ، فيرجى منه تفكرهم وموعظتهم ، لأن للأمثال واستحضار النظائر شأنا عظيما في اهتداء النفوس بها وتقريب الأحوال الخفية إلى النفوس الذاهلة أو المتغافلة ، لما في التنظير بالقصة المخصوصة من تذكر مشاهدة الحالة بالحواس ، بخلاف التذكير المجرد عن التنظير بالشيء المحسوس.
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧))
جملة مستأنفة لأنها جعلت إنشاء ذم لهم ، بأن كانوا في حالة شنيعة وظلموا أنفسهم.
والظلم هنا على حقيقته فإنهم ظلموا أنفسهم بما أحلّوه بها من الكفر الذي جعلهم مذمومين في الدنيا ومعذبين في الآخرة.
وتقديم المفعول للاختصاص ، أي ما ظلموا إلا أنفسهم ، وشأن العاقل أن لا يؤذي نفسه ، وفيه إزالة تبجحهم بأنهم لم يتبعوا محمدا صلىاللهعليهوسلم ظنا منهم أن ذلك يغيظه ويغيظ المسلمين ، وإنما يضرون أنفسهم.
وجملة : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) يجوز أن تكون معطوفة على الصلة باعتبار أنهم معروفون بمضمون هذه الجملة عند النبي والمسلمين ، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) فتكون تذييلا للجملة التي قبلها إخبارا عنهم بأنهم في تكذيبهم ، وانتفاء من القصص ما ظلموا إلا أنفسهم.
وقوله : (كانُوا يَظْلِمُونَ) أقوى في إفادة وصفهم بالظلم من أن يقال : وظلموا أنفسهم ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) في سورة الأنعام [٧٥].