ووجه كونهم أضل من الأنعام : أن الأنعام لا يبلغ بها ضلالها إلى إيقاعها في مهاوي الشقاء الأبدي ، لأن لها إلهاما تتفصى به عن المهالك كالتردي من الجبال والسقوط في الهوّات ، هذا إذا حمل التفضيل في الضلال على التفضيل في جنسه وهو الأظهر ، وإن حمل على التفضيل في كيفية الضلال ومقارناته كان وجهه أن الأنعام قد خلق إدراكها محدودا لا يتجاوز ما خلقت لأجله ، فنقصان انتفاعها بمشاعرها ليس عن تقصير منها ، فلا تكون بمحل الملامة ، وأما أهل الضلالة فإنهم حجروا أنفسهم عن مدركاتهم ، بتقصير منهم وإعراض عن النظر والاستدلال فهم أضل سبيلا من الأنعام.
وجملة : (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) تعليل لكونهم أضل من الأنعام وهو بلوغهم حد النهاية في الغفلة ، وبلوغهم هذا الحد أفيد بصيغة القصر الادعائي إذ ادّعي انحصار صفة الغفلة فيهم بحيث لا يوجد غافل غيرهم لعدم الاعتداد بغفلة غيرهم كل غفلة في جانب غفلتهم كلا غفلة ، لأن غفلة هؤلاء تعلقت بأجدر الأشياء بأن لا يغفل عنه ، وهو ما تقضي الغفلة عنه بالغافل إلى الشقاء الأبدي ، فهي غفلة لا تدارك منها ، وعثرة لا لعى لها.
والغفلة عدم الشعور بما يحق الشعور به ، وأطلق على ضلالهم لفظ الغفلة بناء على تشبيه الإيمان بأنه أمر بيّن واضح يعد عدم الشعور به غفلة ، ففي قوله : (هُمُ الْغافِلُونَ) استعارة مكنية ضمنية ، والغفلة من روادف المشبه به ، وفي وصف (الْغافِلُونَ) استعارة مصرحة بأنهم جاهلون أو منكرون.
وقد وقع التدرج في وصفهم بهذه الأوصاف من نفي انتفاعهم ، بمداركهم ثم تشبيههم بالأنعام ، ثم الترقي إلى أنهم أضل من الأنعام ، ثم قصر الغفلة عليهم.
(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠))
هذا خطاب للمسلمين ، فتوسطه في خلال مذام المشركين ؛ لمناسبة أن أفظع أحوال المعدودين لجهنم هو حال إشراكهم بالله غيره ، لأن في ذلك إبطالا لأخص الصفات بمعنى الإلهية : وهي صفة الوحدانية وما في معناها من الصفات نحو الفرد ، الصمد. وينضوي تحت الشرك تعطيل صفات كثيرة مثل : الباعث ، الحسيب ، والمعيد ، ونشأ عن عناد أهل الشرك إنكار صفة الرحمن.
فعقبت الآيات التي وصفت ضلال إشراكهم بتنبيه المسلمين للاقبال على دعاء الله