والمعنى : أن الأصنام لا ينصرون من يعبدونهم إذا احتاجوا لنصرهم ولا ينصرون أنفسهم إن رام أحد الاعتداء عليها.
والظاهر أن تخصيص النصر من بين الأعمال التي يتخيلون أن تقوم بها الأصنام مقصود منه تنبيه المشركين على انتفاء مقدرة الأصنام على نفعهم ، إذ كان النصر أشد مرغوب لهم ، لأن العرب كانوا أهل غارات وقتال وتراث ، فالانتصار من أهم الأمور لديهم قال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) [يس : ٧٤ ، ٧٥] وقال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨١ ، ٨٢] ، قال أبو سفيان يوم أحد «اعل هبل» ـ وقال أيضا ـ «لنا العزى ولا عزى لكم» وأن الله أعلم المسلمين بذلك تعريضا بالبشارة بأن المشركين سيغلبون قال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران: ١٢] وأنهم سيمحقون الأصنام ولا يستطيع أحد الذب عنها.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) [الأعراف : ١٩١] زيادة في التعجيب من حال المشركين بذكر تصميمهم على الشرك على ما فيه من سخافة العقول ووهن الدليل ، بعد ذكر ما هو كاف لتزييفه.
فضمير الخطاب المرفوع في (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) موجه إلى المسلمين مع الرسولصلىاللهعليهوسلم ، وضمير جمع الغائب المنصوب عائد إلى المشركين كما عاد ضمير (أَيُشْرِكُونَ) [الأعراف : ١٩١] فبعد أن عجّب الله المسلمين من حال أهل الشرك أنبأهم بأنهم لا يقبلون الدعوة إلى الهدى.
ومعنى ذلك أنه بالنظر إلى الغالب منهم ، وإلا فقد آمن بعضهم بعد حين وتلاحقوا بالإيمان ، عدا من ماتوا على الشرك.
وهذا الوجه هو الأليق بقوله تعالى بعد ذلك (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) [الأعراف : ١٩٨] الآية ليكون المخبر عنهم في هذه الآية غير المخبر عنهم في الآية الآتية ، لظهر تفاوت الموقع بين (لا يَتَّبِعُوكُمْ) وبين (لا يَسْمَعُوا) [الأعراف : ١٩٨].