و (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يتنازعه (بصائر) و (هدى) و (رحمة) لأنه إما ينتفع به المؤمنون ، فالمعنى هذا بصائر لكم وللمؤمنين ، و (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) خاصة إذ لم يهتدوا ، وهو تعريض بأن غير المؤمنين ليسوا أهلا للانتفاع به وأنهم لهوا عن هديه بطلب خوارق العادات.
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤))
يؤذن العطف بأن الخطاب بالأمر في قوله : (فَاسْتَمِعُوا) ـ و (أَنْصِتُوا) وفي قوله : (لَعَلَّكُمْ) تابع للخطاب في قوله (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٢٠٣] إلخ ، فقوله : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) من جملة ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يقوله لهم وذلك إعادة تذكير للمشركين تصريحا أو تعريضا بأن لا يعرضوا عن استماع القرآن وبأن يتأملوه ليعلموا أنه آية عظيمة ، وأنه بصائر وهدى ورحمة ، لمن يؤمن به ولا يعاند ، وقد علم من أحوال المشركين أنهم كانوا يتناهون عن الإنصات إلى القرآن (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦].
وذكر اسم القرآن إظهار في مقام الإضمار ، لأن القرآن تقدم ذكره بواسطة اسم الإشارة فنكتة هذا الإظهار : التنويه بهذا الأمر ، وجعل جملته مستقلة بالدلالة غير متوقفة على غيرها ، وهذا من وجوه الاهتمام بالكلام ومن دواعي الإظهار في مقام الإضمار استقريته من كلام البلغاء.
والاستماع الإصغاء وصيغة الافتعال دالة على المبالغة في الفعل ، والإنصات الاستماع مع ترك الكلام فهذا مؤكد (لا تسمعوا). مع زيادة معنى. وذلك مقابل قولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] ، ويجوز أن يكون الاستماع مستعملا في معناه المجازي ، وهو الامتثال للعمل بما فيه كما تقدم آنفا في قوله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) [الأعراف : ١٩٨] ويكون الإنصات جامعا لمعنى الإصغاء وترك اللغو.
وهذا الخطاب شامل للكفار على وجه التبليغ ، وللمسلمين على وجه الإرشاد لأنهم أرجى للانتفاع بهديه لأن قبله قوله : (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : ٢٠٣].
ولا شبهة في أن هذه الآية نزلت في جملة الآيات التي قبلها وعلى مناسبتها ، سواء أريد بضمير الخطاب بها المشركون والمسلمون معا ، أم أريد المسلمون تصريحا والمشركون تعريضا ، أم أريد المشركون للاهتداء والمسلمون بالأحرى لزيادته.