المأموم إذا كان الإمام مسرا بالقراءة ، فالآية بمعزل عنه إذ لا يتحقق في ذلك الترك معنى الإنصات.
ويجب التنبه إلى أن ليس في الآية صيغة من صيغ العموم لأن الذي فيها فعلان هما (قرئ) (واستمعوا) والفعل لا عموم له في الإثبات.
ومعنى الشرط المستفاد من (إذا) يقتضي إلا عموم الأحوال أو الأزمان دون القراءات وعموم الأزمان أو الأحوال لا يستلزم عموم الأشخاص بخلاف العكس كما هو بين.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥))
إقبال بالخطاب على النبي صلىاللهعليهوسلم فيما يختص به ، بعد أن أمر بما أمر بتبليغه من الآيات المتقدمة ، والمناسبة في هذا الانتقال أن أمر الناس باستماع القرآن يستلزم أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بقراءة القرآن عليهم قراءة جهرية يسمعونها ، فلما فرغ الكلام من حظ الناس نحو قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أقبل على الكلام في حظ الرسول صلىاللهعليهوسلم من القرآن وغيره ، وهو التذكر الخاص به ، فأمر بأن يذكر الله ما استطاع وكيفما تسنى له ، وفي أوقات النهار المختلفة ، فجملة (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) معطوفة على الجمل السابقة من قوله : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) [الأعراف : ١٩٦] إلى هنا.
والنفس اسم للقوة التي بها الحياة ، فهي مرادفة الروح ، وتطلق على الذات المركبة من الجسد والروح ، ولكون مقر النفس في باطن الإنسان أطلقت على أمور باطن الإنسان من الإدراك والعقل كما في قوله تعالى حكاية عن عيسى (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) [المائدة : ١١٦] وقد مضى في سورة المائدة ، ومن ذلك يتطرق إلى إطلاقها على خويصة المرء ، ومنه قوله في الحديث القدسي في «صحيح البخاري» وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم» فقابل قوله : في نفسه بقوله : في ملإ.
والمعنى : اذكر ربك وأنت في خلوتك كما تذكره في مجامع الناس.
والذكر حقيقة في ذكر اللسان ، وهو المراد هنا ، ويعضده قوله : (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) وذلك يشمل قراءة القرآن وغير القرآن من الكلام الذي فيه تمجيد الله وشكره ونحو ذلك ، مثل كلمة التوحيد والحوقلة والتسبيح والتكبير والدعاء ونحو ذلك.