الله للإخلاص ونبذ الشّرك ، وفريقا دام على الضّلال ولازم الشّرك.
وجملة : (هَدى) في موضع الصّفة لفريقا الأوّل ، وقد حذف الرّابط المنصوب : أي هداكم الله ، وجملة : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) صفة (فَرِيقاً) الثّاني.
وهذا كلّه إنذار من الوقوع في الضّلالة ، وتحذير من اتّباع الشّيطان ، وتحريض على توخي الاهتداء الذي هو من الله تعالى ، كما دلّ عليه إسناده إلى ضمير الجلالة في قوله : (هَدى) فيعلم السّامعون أنّهم إذا رجعوا إليه فريقين كان الفريق المفلح هو الفريق الذين هداهم الله تعالى كما قال : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: ٢٢] وأنّ الفريق الخاسر هم الذين حقّت عليه الضّلالة واتّخذوا الشّياطين أولياء من دون الله كما قال : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المجادلة : ١٩]. وتقديم (فَرِيقاً) الأوّل والثّاني على عامليها للاهتمام بالتّفصيل.
ومعنى : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ثبتت لهم الضّلالة ولزموها. ولم يقلعوا عنها ، وذلك أنّ المخاطبين كانوا مشركين كلّهم ، فلمّا أمروا بأن يعبدوا الله مخلصين افترقوا فريقين : فريقا هداه الله إلى التّوحيد ، وفريقا لازم الشّرك والضّلالة ، فلم يطرأ عليهم حال جديد. وبذلك يظهر حسن موقع لفظ : (حَقَ) هنا دون أن يقال أضلّه الله ، لأنّ ضلالهم قديم مستمر اكتسبوه لأنفسهم ، كما قال تعالى في نظيره : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [النحل : ٣٦] ـ ثمّ قال ـ (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [النحل : ٣٧] ، فليس تغيير الأسلوب بين : (فَرِيقاً هَدى) وبين (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) تحاشيا عن إسناد الإضلال إلى الله ، كما توهمه صاحب «الكشاف» ، لأنّه قد أسند الإضلال إلى الله في نظير هذه الآية كما علمت وفي آيات كثيرة ، ولكنّ اختلاف الأسلوب لاختلاف الأحوال.
وجرد فعل حقّ عن علامة التّأنيث لأنّ فاعله غير حقيقي التّأنيث ، وقد أظهرت علامة التّأنيث في نظيره في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [النحل : ٣٦].
وقوله : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) استئناف مراد به التّعليل لجملة (حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [النحل : ٣٦] ، وهذا شأن (إنّ) إذا وقعت في صدر جملة عقب جملة أخرى أن تكون للرّبط والتّعليل وتغني غناء الفاء ، كما تقدّم غير مرّة.
والمعنى أنّ هذا الفريق ، الذي حقت عليهم الضّلالة ، لمّا سمعوا الدّعوة إلى التّوحيد