يفقهونها كقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) في سورة الأنعام [٩٩] ، أي كذلك التّفصيل الذي فصلته لكم هنا نفصّل الآيات ويتجدّد تفصيلنا إياها حرصا على نفع قوم يعلمون.
والمراد ب (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الثّناء على المسلمين الذين فهموا الآيات وشكروا عليها ، والتّعريض بجهل وضلال عقول المشركين الذين استمرّوا على عنادهم وضلالهم ، رغم ما فصّل لهم من الآيات.
(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣))
لمّا أنبأ قوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) [الأعراف : ٣٢] إلى آخره ، بأنّ أهل الجاهليّة حرموا من الزّينة والطّيبات من الرّزق ، وأنبأ قوله تعالى ـ قبل ذلك ـ (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] بأنّ أهل الجاهليّة يعزون ضلالهم في الدّين إلى الله ، فأنتج ذلك أنّهم ادّعوا أنّ ما حرّموه من الزّينة والطّيبات قد حرّمه الله عليهم ، أعقب مجادلتهم ببيان ما حرّمه الله حقّا وهم ملتبسون به وعاكفون على فعله.
فالقصر المفاد من (إِنَّما) قصر إضافي مفاده أنّ الله حرّم الفواحش وما ذكر معها لا ما حرّمتموه من الزّينة والطّيّبات ، فأفاد إبطال اعتقادهم ، ثمّ هو يفيد بطريق التّعريض أنّ ما عدّه الله من المحرّمات الثّابت تحريمها قد تلبّسوا بها ، لأنّه لمّا عدّ أشياء ، وقد علم النّاس أنّ المحرّمات ليست محصورة فيها ، علم السّامع أنّ ما عيّنه مقصود به تعيين ما تلبّسوا به فحصل بصيغة القصر ردّ عليهم من جانبي ما في صيغة (إنّما) من إثبات ونفي : إذ هي بمعنى (ما ـ وإلّا) ، فأفاد تحليل ما زعموه حراما وتحريم ما استباحوه من الفواحش وما معها.
والفواحش جمع فاحشة وقد تقدّم ذكر معنى الفاحشة عند قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) في سورة النّساء [٢٢] وتقدّم آنفا عند قوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) [الأعراف : ٢٨].
و (ما ظَهَرَ مِنْها) هو ما يظهره النّاس بين قرنائهم وخاصتهم مثل البغاء والمخادنة ، وما بطن هو ما لا يظهره النّاس مثل الوأد والسّرقة ، وقد تقدّم القول في نظيره عند قوله