ومادة النّيل والنّوال وردت واوية العين ويائية العين مختلطتين في دواوين اللّغة ، غير مفصحة عن توزيع مواقع استعمالها بين الواوي واليائيّ ، ويظهر أن أكثر معاني المادتين مترادفة وأنّ ذلك نشأ من القلب في بعض التّصاريف أو من تداخل اللّغات ، وتقول نلت ـ بضمّ النّون ـ من نال ينول ، وتقول نلت ـ بكسر النّون ـ من نال ينيل ، وأصل النّيل إصابة الإنسان شيئا لنفسه بيده ، ونوّله أعطاه فنال ، فالأصل أن تقول نال فلان كسبا ، وقد جاء هنا بعكس ذلك لأنّ النّصيب من الكتاب هو أمر معنوي ، فمقتضى الظّاهر أن يكون النّصيب منولا لا نائلا ، لأنّ النّصيب لا يحصّل الذين افتروا على الله كذبا ، بل بالعكس : الذين افتروا يحصلونه ، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) [الحج : ٣٧] ـ وقوله ـ (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [الأعراف : ١٥٢] ، فتعيّن أن يكون هذا إمّا مجازا مرسلا في معنى مطلق الإصابة ، وإمّا أن يكون استعارة مبنيّة على عكس التّشبيه بأن شبّه النّصيب بشخص طالب طلبة فنالها ، وإنّما يصار إلى هذا للتّنبيه على أنّ الذي ينالهم شيء يكرهونه ، وهو يطلبهم وهم يفرّون منه ، كما يطلب العدوّ عدوّه ، فقد صار النّصيب من الكتاب كأنّه يطلب أن يحصّل الفريق الذين حقّ عليهم ويصادفهم ، وهو قريب من القلب المبني على عكس التّشبيه في قول رؤبة:
ومهمه مغبرّة أرجاؤه |
|
كأنّ لون أرضه سماؤه |
وقولهم : «عرضت النّاقة على الحوض».
والنّصيب الحظّ الصّائر لأحد المتقاسمين من الشّيء المقسوم ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) في سورة البقرة [٢٠٢] ، وقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) في سورة النساء [٧].
والمراد بالكتاب ما تضمّنه الكتاب ، فإن كان الكتاب مستعملا حقيقة فهو القرآن ، ونصيبهم منه هو نصيبهم من وعيده ، مثل قوله تعالى آنفا : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [الأعراف : ٣٦] ، وإن كان الكتاب مجازا في الأمر الذي قضاه الله وقدّره ، على حدّ قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرعد : ٣٨] أي الكتاب الثّابت في علم الله من إحقاق كلمة العذاب عليهم ، فنصيبهم منه هو ما أخبر الله بأنّه قدّره لهم من الخلود في العذاب ، وأنّه لا يغفر لهم ، ويشمل ذلك ما سبق تقديره لهم من الإمهال وذلك هو تأجيلهم إلى أجل أراده ثمّ استئصالهم بعده كما أخبر عن ذلك آنفا بقوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤].