وحمل كثير من المفسّرين النّصيب على ما ينالهم من الرّزق والإمهال في الدّنيا قبل نزول العذاب بهم وهو بعيد من معنى الفاء في قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ) ولا أحسب الحادي لهم على ذلك إلّا ليكون نوال النّصيب حاصلا في مدّة ممتدّة ليكون مجيء الملائكة لتوفّيهم غاية لانتهاء ذلك النّصيب ، استبقاء لمعنى الغاية الحقيقيّة في (حتّى). وذلك غير ملتزم ، فإنّ حتّى الابتدائيّة لا تفيد من الغاية ما تفيده العاطفة كما سنذكره.
والمعنى : إمّا أنّ كل واحد من المشركين سيصيبه ما توعدهم الله به من الوعيد على قدر عتوه في تكذيبه وإعراضه ، فنصيبه هو ما يناسب حاله عند الله من مقدار عذابه ، وإمّا أن مجموع المشركين سيصيبهم ما قدر لأمثالهم من الأمم المكذّبين للرّسل المعرضين عن الآيات من عذاب الدّنيا ، فلا يغرّنهم تأخير ذلك لأنّه مصيبهم لا محالة عند حلول أجله ، فنصيبهم هو صفة عذابهم من بين صفات العذاب التي عذّبت بها الأمم.
وجملة : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) تفصيل لمضمون جملة (يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) فالوقت الذي أفاده قوله : (إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) هو مبدأ وصف نصيبهم من الكتاب حين ينقطع عنهم الإمهال الذي لقوه في الدّنيا.
و (حَتَّى) ابتدائيّة لأنّ الواقع بعدها جملة فتفيد السّببيّة ، فالمعنى : ف (إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) إلخ ، و (حتّى) الابتدائية لها صدر الكلام فالغاية التي تدلّ عليها هي غاية ما يخبر به المخبر ، وليست غاية ما يبلغ إليه المعطوف عليه بحتّى ، لأنّ ذلك إنّما يلتزم إذا كانت حتّى عاطفة ، ولا تفيد إلّا السّببيّة كما قال ابن الحاجب فهي لا تفيد أكثر من تسبّب ما قبلها فيما بعدها ، قال الرضي ؛ قال المصنف : وإنّما وجب مع الرّفع السّببيّة لأنّ الاتّصال اللّفظي لمّا زال بسبب الاستئناف شرط السّببيّة التي هي موجبة للاتّصال المعنوي ، جبرا لما فات من الاتّصال اللّفظي ، قال عمرو بن شأس :
نذود الملوك عنكم وتذودنا |
|
ولا صلح حتّى تضبعون ونضبعا |
وقد تقدّم بعض هذا عند قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) في سورة الأنعام [٣١] و (حتّى) الابتدائيّة تدلّ على أنّ مضمون الكلام الّذي بعدها أهمّ بالاعتناء للإلقاء عند المتكلّم لأنّه أجدى في الغرض المسوق له الكلام ، وهذا الكلام الواقع هنا بعد (حتّى) فيه تهويل ما يصيبهم عند قبض أرواحهم ، وهو أدخل في تهديدهم وترويعهم وموعظتهم ، من الوعيد المتعارف ، وقد هدّد القرآن المشركين بشدائد الموت عليهم في آيات كثيرة لأنّهم كانوا يرهبونه. والرّسل هم الملائكة قال