ثبت في الصحيح : أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يأخذ من الخمس نفقته ونفقة عياله ، ويجعل الباقي مجعل مال الله. وفي الصحيح : أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال في الفيء «ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلّا الخمس والخمس مردود عليكم» فيقاس عليه خمس الغنيمة ، وكذلك كان شأن رسول الله في انتفاعه بما جعله الله له من الحقّ في مال الله. وأوضح شيء في هذا الباب حديث عمر بن الخطاب في محاورته مع العباس وعلي ، حين تحاكما إليه ، رواه مالك في «الموطأ» ورجال «الصحيح» ، قال عمر : «إنّ الله كان قد خصّ رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره قال (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) [الحشر : ٧] فكانت هذه خالصة لرسول الله ، وو الله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم قد أعطاكموها وبثّها فيكم حتّى بقي منها هذا المال. فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله». والغرض من جلب كلام عمر قوله : «ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله».
وأمّا ذو (الْقُرْبى) ف (أل) في (الْقُرْبى) عوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى في سورة البقرة [١٧٧] (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) أي ذوي قرابة المؤتي المال. والمراد هنا هو (الرسول) المذكور قبله ، أي ولذوي قربى الرسول ، والمراد ب (ذي) الجنس ، أي : ذوي قربى الرسول ، أي : قرابته ، وذلك إكرام من الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم إذ جعل لأهل قرابته حقّا في مال الله ، لأن الله حرّم عليهم أخذ الصدقات والزكاة. فلا جرم أنّه أغناهم من مال الله. ولذلك كان حقّهم في الخمس ثابتا بوصف القرابة.
فذو القربى مراد به كلّ من اتّصف بقرابة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهو عام في الأشخاص ، ولكن لفظ (الْقُرْبى) جنس فهو مجمل ، وأجملت رتبة القرابة إحالة على المعروف في قربى الرجل ، وتلك هي قربى نسب الآباء دون الأمّهات. ثم إنّ نسب الآباء بين العرب يعدّ مشتركا إلى الحدّ الذي تنشقّ منه الفصائل ، ومحملها الظاهر على عصبة الرجل من أبناء جدّه الأدنى. وأبناء أدنى أجداد النبي صلىاللهعليهوسلم هم بنو عبد المطلب بن هاشم ، وإن شئت فقل : هم بنو هاشم ، لأنّ هاشما لم يبق له عقب في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم إلّا من عبد المطلب ، فالأرجح أنّ قربى الرسول صلىاللهعليهوسلم هم بنو هاشم ، وهذا قول مالك وجمهور أصحابه ، وهو إحدى روايتين عن أحمد بن حنبل ، وقاله ابن عبّاس ، وعلي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن ، ومجاهد ، والأوزاعي ، والثوري. وذهب الشافعي ، وأحمد في إحدى روايتين عنه ، التي جرى عليها أصحابه ، وإسحاق وأبو ثور : أنّ القربى هنا : هم بنو