للنصر ، وإنزال المطر عند حاجة المسلمين إليه ، لتعبيد الطريق ، وتثبيت الأقدام ، والاستقاء.
وإطلاق الإنزال على حصوله استعارة تشبيها له بالواصل إليهم من علوّ تشريفا له كقوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٢٦]. والتطهر ولا مانع من إرادة الجميع لأنّ غرض ذلك واحد ، وكذلك ما هو من معناه ممّا نعلمه أو لما علمناه.
و (يَوْمَ الْفُرْقانِ) هو يوم بدر ، وهو اليوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين سمّي يوم الفرقان ؛ لأنّ الفرقان الفرق بين الحقّ والباطل كما تقدّم آنفا في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [الأنفال : ٢٩] وقد كان يوم بدر فارقا بين الحقّ والباطل ؛ لأنّه أول يوم ظهر فيه نصر المسلمين الضعفاء على المشركين الأقوياء ، وهو نصر المحقّين الأذلّة على الأعزّة المبطلين ، وكفى بذلك فرقانا وتمييزا بين من هم على الحقّ ، ومن هم على الباطل.
فإضافة (يَوْمَ) إلى (الْفُرْقانِ) إضافة تنويه به وتشريف ، وقوله : (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) بدل من (يَوْمَ الْفُرْقانِ) فإضافة (يَوْمَ) إلى جملة : (الْتَقَى الْجَمْعانِ) للتذكير بذلك الالتقاء العجيب الذي كان فيه نصرهم على عدوّهم. والتعريف في (الْجَمْعانِ) للعهد. وهما جمع المسلمين وجمع المشركين.
وقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اعتراض بتذييل الآيات السابقة وهو متعلّق ببعض جملة الشرط في قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) فإنّ ذلك دليل على أنّه لا يتعاصى على قدرته شيء ، فإنّ ما أسداه إليكم يوم بدر لم يكن جاريا على متعارف الأسباب المعتادة ، فقدرة الله قلبت الأحوال وأنشأت الأشياء من غير مجاريها ولا يبعد أن يكون من سبب تسمية ذلك اليوم (يَوْمَ الْفُرْقانِ) أنّه أضيف إلى الفرقان الذي هو لقب القرآن ، فإنّ المشهور أنّ ابتداء نزول القرآن كان يوم سبعة عشر من رمضان ، فيكون من استعمال المشترك في معنييه.
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢))