من قبل يوم بدر.
ودلّ معنى المجاوزة الذي في (عَنْ) على أنّ المعنى ، أن يكون الهلاك والحياة صادرين عن بيّنة وبارزين منها.
وقرأ نافع ، والبزّي عن ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف «حيي» بإظهار الياءين ، وقرأه البقية : «حيّ» بإدغام إحدى الياءين في الأخرى على قياسالإدغام وهما وجهان فصيحان.
و (عَنْ) للمجاوزة المجازية ، وهي بمعنى (بعد) ، أي : بعد بيّنة يتبيّن بها سبب الأمرين : هلاك من هلك ، وحياة من حيي.
وقوله : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل يشير إلى أنّ الله سميع دعاء المسلمين طلب النصر ، وسميع ما جرى بينهم من الحوار في شأن الخروج إلى بدر ومن مودّتهم أن تكون غير ذات الشوكة هي إحدى الطائفتين التي يلاقونها ، وغير ذلك ، وعليم بما يجول في خواطرهم من غير الأمور المسموعة وبما يصلح بهم ويبني عليه مجد مستقبلهم.
(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣))
(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) بدل من قوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) [الأنفال : ٤٢] فإنّ هذه الرؤيا ممّا اشتمل عليه زمان كونهم بالعدوة الدنيا لوقوعها في مدّة نزول المسلمين بالعدوة من بدر ، فهو بدل من بدل.
والمنام مصدر ميمي بمعنى النوم ، ويطلق على زمن النوم وعلى مكانه.
ويتعلق قوله : (فِي مَنامِكَ) بفعل (يُرِيكَهُمُ) ، فالإراءة إراءة رؤيا ، وأسندت الإراءة إلى الله تعالى ؛ لأنّ رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم وحي بمدلولها ، كما دلّ عليه قوله تعالى ، حكاية عن إبراهيم وابنه (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصافات : ١٠٢] فإنّ أرواح الأنبياء لا تغلبها الأخلاط ، ولا تجول حواسهم الباطنة في العبث ، فما رؤياهم إلّا مكاشفات روحانية على عالم الحقائق.
وكان النبي صلىاللهعليهوسلم قد رأى رؤيا منام ، جيش المشركين قليلا ، أي قليل العدد وأخبر برؤياه المسلمين فتشجّعوا للقاء المشركين ، وحملوها على ظاهرها ، وزال عنهم ما كان