التخاطب ، لأنّ طريق الاستفادة عندها عقلي مستند إلى محسوس ، فهو واسطة بين الاستدلال العقلي المحض وبين الاستفادة اللغوية.
وأخبر ب «قليل» و «كثير» وكلاهما مفرد عن ضمير الجمع لما تقدّم عند قوله تعالى : (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) [آل عمران : ١٤٦].
ومعنى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) أنّه لو أراكهم رؤيا مماثلة للحالة التي تبصرها الأعين ؛ لدخل قلوب المسلمين الفشل ، أي إذا حدثهم النبي بما رأى ، فأراد الله إكرام المسلمين بأن لا يدخل نفوسهم هلع ، وإن كان النصر مضمونا لهم.
فإن قلت : هذا يقتضي أنّ الإراءة كانت متعيّنة ولم يترك الله إراءته جيش العدوّ فلا تكون حاجة إلى تمثيلهم بعدد قليل ، قلت : يظهر أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم رجا أن يرى رؤيا تكشف له عن حال العدوّ ، فحقّق الله رجاءه ، وجنّبه ما قد يفضي إلى كدر المسلمين ، أو لعلّ المسلمين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يستعلم ربّه عن حال العدوّ.
والفشل : الجبن والوهن. والتنازع : الاختلاف. والمراد بالأمر الخطة التي يجب اتباعها
في قتال العدوّ من ثبات أو انجلاء عن القتال.
والتعريف في (الْأَمْرِ) للعهد وهو أمر القتال وما يقتضيه.
والاستدراك في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) راجع إلى ما في جملة : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) من الإشعار بأنّ العدوّ كثير في نفس الأمر ، وأنّ الرؤيا قد تحاكي الصورة التي في نفس الأمر ، وهو الأكثر في مرائي الأنبياء ، وقد تحاكي المعنى الرمزيّ وهو الغالب في مرائي غير الأنبياء ، مثل رؤيا ملك مصر سبع بقرات ، ورؤيا صاحبي يوسف في السّجن ، وهو القليل في مرائي الأنبياء مثل رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه هزّ سيفا فانكسر في يده ، فمعنى الاستدراك رفع ما فرض في قوله : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً). فمفعول (سَلَّمَ) ومتعلّقه محذوفان إيجازا إذ دلّ عليه قوله : (لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ) والتقدير : سلّمكم من الفشل والتنازع بأن سلمكم من سببهما ، وهو إراءتكم واقع عدد المشركين ، لأنّ الاطّلاع على كثرة العدوّ يلقي في النفوس تهيّبا له وتخوّفا منه ، وذلك ينقص شجاعة المسلمين الذين أراد الله أن يوفّر لهم منتهى الشجاعة.
ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) دون أن يقول : ولكنّه سلّم ، لقصد زيادة إسناد ذلك إلى الله ، وأنّه بعنايته ، واهتماما بهذا الحادث.