يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي |
|
إلّا عبيد قعود بين أذواد |
هل تنظران قليلا ريث غفلتهم |
|
أو تعدوان فإنّ الريح للعادي (١) |
وقال الحريري ، في ديباجة «المقامات» : «قد جرى ببعض أندية الأدب الذي ركدت في هذا العصر ريحه».
والمعنى : وتزول قوتكم ونفوذ أمركم ، وذلك لأنّ التنازع يفضي إلى التفرّق ، وهو يوهن أمر الأمّة ، كما تقدّم في معنى الفشل.
ثم أمرهم الله بشيء يعمّ نفعه المرء في نفسه وفي علاقته مع أصحابه ، ويسهل عليهم الأمور الأربعة ، التي أمروا بها آنفا في قوله : (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) وفي قوله :(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) الآية. ألا وهو الصبر ، فقال : (وَاصْبِرُوا) لأنّ الصبر هو تحمّل المكروه ، وما هو شديد على النفس ، وتلك المأمورات كلّها تحتاج إلى تحمّل المكاره ، فالصبر يجمع تحمّل الشدائد والمصاعب ، ولذلك كان قوله : (وَاصْبِرُوا) بمنزلة التذييل.
وقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) إيماء إلى منفعة للصبر إلهية ، وهي إعانة الله لمن صبر امتثالا لأمره ، وهذا مشاهد في تصرفات الحياة كلها.
وجملة (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) قائمة مقام التعليل للأمر ، لأنّ حرف التأكيد في مثل هذا قائم مقام فاء التفريع ، كما تقدّم في مواضع.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧))
جملة : (وَلا تَكُونُوا) معطوفة على (وَلا تَنازَعُوا) [الأنفال : ٤٦] عطف نهي على نهي.
ويصحّ أن تكون معطوفة على جملة (فَاثْبُتُوا) [الأنفال : ٤٥] عطف نهي على أمر ، إكمالا لأسباب النجاح والفوز عند اللقاء ، بأن يتلبسوا بما يدنيهم من النصر ، وأن يتجنّبوا
__________________
(١) تنظران من النظرة ، أي الانتظار. والمعنى هل تترقبان ساعة غفلة العبيد فتختلسا الذود أو تعدوان على العبيد غصبا.