تأمينهم من غدر قومه بني كنانة. وتكون الرؤية علمية ومفعولها الثاني محذوفا اقتصارا.
وأمّا قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشيطان حقيقة فالمراد من خوف الله توقع أن يصيبه الله بضرّ ، من نحو الرجم بالشهب ، وإن كان مجازا عقليا وأنّ حقيقته قول سراقة فلعلّ سراقة قال قولا في نفسه ، لأنّه كان عاهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن لا يدلّ عليه المشركين ، فلعلّه تذكّر ذلك ورأى أنّ فيما وعد المشركين من الإعانة ضربا من خيانة العهد فخاف سوء عاقبة الخيانة.
و «التزيين» إظهار الشيء زينا ، أي حسنا ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) في سورة الأنعام [١٠٨] ، وفي قوله : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) في سورة البقرة [٢١٢]. والمعنى : أنّه أراهم حسنا ما يعملونه من الخروج إلى إنقاذ العير ، ثم من إزماع السير إلى بدر.
و (تَراءَتِ) مفاعلة من الرؤية ، أي رأت كلتا الفئتين الأخرى.
و (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) رجع من حيث جاء. وعن مؤرج السدوسي : أنّ نكص رجع بلغة سليم ، ومصدره النكوص وهو من باب رجع.
وقوله : (عَلى عَقِبَيْهِ) مؤكّد لمعنى نكص إذ النكوص لا يكون إلّا على العقبين ، لأنّه الرجوع إلى الوراء كقولهم : رجع القهقرى ، ونظيره قوله تعالى في سورة المؤمنين [٦٦] : (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ).
و (عَلى) مفيدة للتمكّن من السير بالعقبين. والعقبان : تثنية العقب ، وهو مؤخّر الرجل ، وقد تقدّم في قوله : (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) في سورة الأنعام [٧١].
والمقصود من ذكر العقبين تفظيع التقهقر لأنّ عقب الرجل أخسّ القوائم لملاقاته الغبار والأوساخ.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))
يتعلّق (إِذْ يَقُولُ) بأقرب الأفعال إليه وهو قوله : (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [الأنفال : ٤٨] مع ما عطف عليه من الأفعال ، لأنّ (إِذْ) لا تقتضي أكثر من المقارنة في الزمان بين ما تضاف إليه وبين متعلّقها ، فتعين أن يكون قول المنافقين واقعا في وقت تزيين