حصول النصر. فإطلاق الغرور هنا مجاز ، وإسناده إلى الدين حقيقة عقلية.
وجملة : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) معطوفة على جملة : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [الأنفال : ٤٨] لأنّها من جملة الأخبار المسوقة ؛ لبيان عناية الله تعالى بالمسلمين ، وللامتنان عليهم ، فالمناسبة بينها وبين الجملة التي قبلها : أنها كالعلّة لخيبة ظنون المشركين ونصرائهم ، أي أنّ الله خيّب ظنونهم لأنّ المسلمين توكّلوا عليه وهو عزيز لا يغلب ، فمن تمسك بالاعتماد عليه نصره ، وهو حكيم يكوّن أسباب النصر من حيث يجهلها البشر.
والتوكّل : الاستسلام والتفويض ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [١٥٩].
وجعل قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) جوابا للشرط باعتبار لازمه وهو عزّة المتوكّل على الله وإلفائه منجيا من مضيق أمره ، فهو كناية عن الجواب وهذا من وجوه البيان وهو كثير الوقوع في القرآن ، وعليه قول زهير :
من يلق يوما على علاته هرما |
|
يلق السماحة فيه والندى خلقا |
أي ينل من كرمه ولا يتخلّف ذلك عنه في حال من الأحوال ، وقول الربيع بن زياد العبسي :
من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار |
يجد النساء حواسرا يندبنه |
|
بالليل قبل تبلّج الأسفار |
أي من كان مسرورا بمقتله فسروره لا يدوم إلّا بعض يوم ثم يحزنه أخذ الثأر إمّا من ذلك المسرور إن كان هو القاتل أو من أحد قومه وذلك يحزن قومه.
[٥٠ ، ٥١] (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١))
لمّا وفّي وصف حال المشركين حقّه ، وفصّلت أحوال هزيمتهم ببدر ، وكيف أمكن الله منهم المسلمين ، على ضعف هؤلاء وقوة أولئك ، بما شاهده كلّ حاضر حتّى ليوقن السامع أنّ ما نال المشركين يومئذ إنّما هو خذلان من الله إيّاهم ، وإيذان بأنّهم لاقون