فالتقدير هنا : دأبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ، أي من الأمم المكذّبين برسل ربّهم ، مثل عاد وثمود.
والدأب : العادة والسيرة المألوفة ، وقد تقدّم مثله في سورة آل عمران. وتقدّم وجه تخصيص آل فرعون بالذكر. ولا فرق بين الآيتين إلّا اختلاف العبارة ، ففي سورة آل عمران [١١] (كَذَّبُوا بِآياتِنا) وهنا (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) ، وهنالك (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) [آل عمران ١١] وهنا (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ).
فأمّا المخالفة بين (كَذَّبُوا) [آل عمران : ١١] و (كَفَرُوا) فلأنّ قوم فرعون والذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله وتكذيب رسله ، وفي جحد دلالة الآيات على الوحدانية وعلى صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فذكروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبّر بالكفر بالآيات عن جحد الآيات الدالّة على وحدانية الله تعالى ، لأنّ الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى. وقد عقبت هذه الآية بالتي بعدها ، فذكر في التي بعدها التكذيب بالآيات ، أي التكذيب بآيات صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وجحد الآيات الدالّة على صدقه. فأمّا في سورة آل عمران [١١] فقد ذكر تكذيبهم بالآيات ، أي الدالّة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنّ التكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبر ، لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن وتصديق من صدق به ، وإلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه ، فعبّر عن الذين شابهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التكذيب.
فأمّا الإظهار هنا في مقام الإضمار ، فاقتضاه أنّ الكفر كفر بما يرجع إلى صفات الله فأضيفت الآيات إلى اسم الجلالة ؛ ليدلّ على الذات بعنوان الإله الحقّ وهو الوحدانية.
وأمّا الإضمار في آل عمران فلكون التكذيب تكذيبا لآيات دالّة على ثبوت رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فأضيفت الآيات إلى الضمير على الأصل في التكلّم.
وأمّا الاختلاف بذكر حرف التأكيد هنا ، دونه في سورة آل عمران [١١] ، فلأنّه قصد هنا التعريض بالمشركين ، وكانوا ينكرون قوّة الله عليهم ، بمعنى لازمها ، وهو إنزال الضرّ بهم ، وينكرون أنّه شديد العقاب لهم ، فأكّد الخبر باعتبار لازمه التعريضي الذي هو إبلاغ هذا الإنذار إلى من بقي من المشركين ، وفي سورة آل عمران [١١] لم يقصد إلا الإخبار عن كون الله شديد العقاب إذا عاقب ، فهو تذكير للمسلمين وهم المقصود بالإخبار بقرينة قوله ، عقبه : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) [آل عمران : ١٢] الآية.