وزيد وصف «قوي» هنا مبالغة في تهديد المشركين المقصودين بالإنذار والتهديد. والقوي الموصوف بالقوة ، وحقيقتها كمال صلابة الأعضاء لأداء الأعمال التي تراد منها ، وهي متفاوتة مقول عليها بالتشكيك.
وقد تقدّم عند قوله تعالى : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) [الأعراف : ١٤٥]. وهي إذا وصف الله بها مستعملة في معناها اللزومي وهي منتهى القدرة على فعل ما تتعلّق به إرادته تعالى من الممكنات. والمقصود من ذكر هذين الوصفين : الإيماء إلى أنّ أخذهم كان قويا شديدا ، لأنّه عقاب قوي شديد العقاب ، كقوله : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: ٤٢] ، وقوله : (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود : ١٠٢].
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ)
(سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣))
استئناف بياني. والإشارة إلى مضمون قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال : ٥٢] أي ذلك المذكور بسبب أنّ الله لم يك مغيّرا إلخ أي ذلك الأخذ بسبب أعمالهم التي تسببوا بها في زوال نعمتهم.
والإشارة تفيد العناية بالمخبر عنه ، وبالخبر. والتسبيب يقتضي أنّ آل فرعون والذين من قبلهم كانوا في نعمة فغيرها الله عليهم بالنقمة ، وأنّ ذلك جرى على سنة الله أنّه لا يسلب نعمة أنعمها على قوم حتّى يغيّروا ذلك بأنفسهم ، وأنّ قوم فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم فتسبّبوا بأنفسهم في زوال النعمة كما قال تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨].
وهذا إنذار لقريش يحلّ بهم مثل ما حلّ بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة. فقوله : (لَمْ يَكُ مُغَيِّراً) مؤذن بأنّه سنة الله ومقتضى حكمته ، لأنّ نفي الكون بصيغة المضارع يقتضي تجدد النفي ومنفيّه.
و «التغيير» تبديل شيء بما يضاده فقد يكون تبديل صورة جسم كما يقال : غيّرت داري ، ويكون تغيير حال وصفة ومنه تغيير الشيب أي صباغه ، وكأنه مشتقّ من الغير وهو المخالف ، فتغيير النعمة إبدالها بضدّها وهو النقمة وسوء الحال ، أي تبديل حالة حسنة بحالة سيّئة.