مبتكرات القرآن.
وجواب شرط (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) دلت عليه الجمل المتقدمة من قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) إلى آخرها ، لأن الشرط لما وقع عقب تلك الحمل كان راجعا إلى جميعها على ما هو المقرر في الاستعمال ، فمعنى الشرط بعد تلك الجمل الإنشائية : إنا أمرناكم بما ذكر إن كنتم مؤمنين ، لأنا لا نأمر بذلك غير المؤمنين ، وهذا إلهاب لنفوسهم على الامتثال ، لظهور أن ليس المراد : فإن لم تكونوا مؤمنين فلا تتقوا الله ورسوله ، ولا تصلحوا ذات بينكم ، ولا تطيعوا الله ورسوله ، فإن هذا معنى لا يخطر ببال أهل اللسان ولا يسمح بمثله الاستعمال.
وليس الإتيان في الشرط بأن تعريضا بضعف إيمانهم ولا بأنه مما يشك فيه من لا يعلم ما تخفي صدورهم ، بناء على أن شأن (إن) عدم الجرم بوقوع الشرط بخلاف (إذا) على ما تقرر في المعاني ، ولكن اجتلاب (إن) في هذا الشرط للتحريض على إظهار الخصال التي يتطلبها الإيمان وهي : التقوى الجامعة لخصال الدين ، وإصلاح ذات بينهم ، والرضى بما فعله الرسول ، فالمقصود التحريض على أن يكون إيمانهم في أحسن صوره ومظاهره ، ولذلك عقب هذا الشرط بجملة القصر في قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] كما سيأتي.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢))
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).
موقع هذه الجملة وما عطف عليها موقع التعليل لوجوب تقوى الله وإصلاح ذات بينهم وطاعتهم الله ورسوله ، لأن ما تضمنته هذه الجمل التي بعد (إِنَّمَا) من شأنه أن يحمل المتصفين به على الامتثال لما تضمنته جمل الأمر الثلاث السابقة ، وقد اقتضى ظاهر القصر المستفاد من (إِنَّمَا) أن من لم يجل قلبه إذا ذكر الله ، ولم تزده تلاوة آيات الله إيمانا مع إيمانه ، ولم يتوكل على الله ، ولم يقم الصلاة ، ولم ينفق ، لم يكن موصوفا بصفة الإيمان ، فهذا ظاهر مؤول بما دلت عليه أدلة كثيرة من الكتاب والسنة من أن الإيمان لا ينقضه الإخلال ببعض الواجبات كما سيأتي عند قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : ٤] فتعين أن القصر ادعائي بتنزيل الإيمان الذي عدم الواجبات العظيمة منزلة العدم ،