فلم يدخل على الفعل نون التوكيد.
والثقف : الظفر بالمطلوب ، أي : فإن وجدتهم وظفرت بهم في حرب ، أي انتصرت عليهم.
والتشريد : التطريد والتفريق ، أي : فبعّد بهم من خلفهم ، وقد يجعل التشريد كناية عن التخويف والتنفير.
وجعلت ذوات المتحدّث عنهم سبب التشريد باعتبارها في حال التلبّس بالهزيمة والنكال ، فهو من إناطة الأحكام بالذوات والمراد أحوال الذوات مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣]. وقد علم أنّ متعلّق تشريد (مَنْ خَلْفَهُمْ) هو ما أوجب التنكيل بهم وهو نقض العهد.
والخلف هنا مستعار للاقتداء بجامع الاتّباع ، ونظيره (الوراء). في قول ضمّام بن ثعلبة :
«وأنا رسول من ورائي». وقال وفد الأشعريين للنبي صلىاللهعليهوسلم : «فمرنا بأمر نأخذ به ونخبر به من وراءنا» ، والمعنى : فاجعلهم مثلا وعبرة لغيرهم من الكفار الذين يترقّبون ما ذا يجتني هؤلاء من نقض عهدهم فيفعلون مثل فعلهم ، ولأجل هذا الأمر نكل النبيصلىاللهعليهوسلم بقريظة حين حاصرهم ونزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية ، فقتلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة وكانوا أكثر من ثمانمائة رجل.
وقد أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم في هذا الأمر بالإغلاظ على العدوّ لما في ذلك من مصلحة إرهاب أعدائه ، فإنّهم كانوا يستضعفون المسلمين ، فكان في هذا الإغلاظ على الناكثين تحريض على عقوبتهم ، لأنّهم استحقّوها. وفي ذلك رحمة لغيرهم لأنّه يصدّ أمثالهم عن النكث ويكفي المؤمنين شرّ الناكثين الخائنين. فلا تخالف هذه الشدّة كون الرسولصلىاللهعليهوسلم أرسل رحمة للعالمين ، لأنّ المراد أنّه رحمة لعموم العالمين وإن كان ذلك لا يخلو من شدّة على قليل منهم كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩].
وضمير الغيبة في (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) راجع إلى (مِنْ) الموصولة باعتبار كون مدلول صلتها جماعة من الناس.
والتذكّر تذكّر حالة المثقفين في الحرب التي انجرّت لهم من نقض العهد ، أي لعلّ من خلفهم يتذكّرون ما حلّ بناقضي العهد من النكال ، فلا يقدموا على نقض العهد ، فآل