الحقوق إذا فاتت كانت بليّتها على واحد ، وأمكن تدارك فائتها. ومصالح الأمّة إذا فاتت تمكّن منها عدوّها ، فلذلك علّق نبذ العهد بتوقّع خيانة المعاهدين من الأعداء ، ومن أمثال العرب : «خذ اللص قبل يأخذك» ، أي وقد علمت أنّه لص.
و (عَلى سَواءٍ) صفة لمصدر محذوف ، أي نبذا على سواء ، أو حال من الضمير في (انبذ) أي حالة كونك على سواء.
و (عَلى) فيه للاستعلاء المجازي فهي تؤذن بأنّ مدخولها ممّا شأنه أن يعتلى عليه.
و (سَواءٍ) وصف بمعنى مستو ، كما تقدم في قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) في سورة البقرة [٦]. وإنما يصلح للاستواء مع معنى (على) الطريق ، فعلم أن (سَواءٌ) وصف لموصوف محذوف يدلّ عليه وصفه ، كما في قوله تعالى : (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) [القمر : ١٣] ، أي سفينة ذات ألواح. وقوله النابغة :
كما لقيت ذات الصّفا من حليفها
أي الحية ذات الصفا.
ووصف النبذ أو النابذ بأنّه على سواء ، تمثيل بحال الماشي على طريق جادّة لا التواء فيها ، فلا مخاتلة لصاحبها كقوله تعالى : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) [الأنبياء : ١٠٩] وهذا كما يقال ، في ضدّه : هو يتبع بنيات الطريق ، أي يراوغ ويخاتل.
والمعنى : فانبذ إليهم نبذا واضحا علنا مكشوفا.
ومفعول (انبذ) محذوف بقرينة ما تقدّم من قوله : (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ) [الأنفال : ٥٦] وقوله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) أي انبذ عهدهم.
وعدّي «انبذ» ب (إلى) لتضمينه معنى اردد إليهم عهدهم ، وقد فهم من ذلك لا يستمرّ على عهدهم لئلا يقع في كيدهم وأنّه لا يخونهم لأنّ أمره ينبذ عهده معهم ليستلزم أنّه لا يخونهم.
وجملة : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) تذييل لما اقتضته جملة : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) إلخ تصريحا واستلزاما. والمعنى : لأنّ الله لا يحبّهم ، لأنّهم متّصفون بالخيانة فلا تستمرّ على عهدهم فتكون معاهدا لمن لا يحبّهم الله ؛ ولأنّ الله لا يحبّ أن تكون أنت من الخائنين كما قال تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ