والمجرور في موقع الحال من ضمير (يَغْلِبُوا) الواقع في هذه الآية. وإذن الله حاصل في كلتا الحالتين المنسوخة والناسخة. وإنّما صرّح به هنا ، دون ما سبق ، لأنّ غلب الواحد للعشرة أظهر في الخرق للعادة ، فيعلم بدءا أنّه بإذن الله ، وأمّا غلب الواحد الاثنين فقد يحسب ناشئا عن قوة أجساد المسلمين ، فنبّه على أنّه بإذن الله : ليعلم أنّه مطّرد في سائر الأحوال ، ولذلك ذيّل بقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [٦٧ ، ٦٨]
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)).
استئناف ابتدائي مناسب لما قبله سواء نزل بعقبه أم تأخّر نزوله عنه فكان موقعه هنا بسبب موالاة نزوله لنزول ما قبله أو كان وضع الآية هنا بتوقيف خاصّ.
والمناسبة ذكر بعض أحكام الجهاد ، وكان أعظم جهاد مضى هو جهاد يوم بدر. لا جرم نزلت هذه الآية بعد قضية فداء أسرى بدر مشيرة إليها.
وعندي أن هذا تشريع مستقبل أخّره الله تعالى رفقا بالمسلمين الذين انتصروا ببدر وإكراما لهم على ذلك النصر المبين ، وسدّا لخلّتهم التي كانوا فيها ، فنزلت لبيان الأمر الأجدر فيما جرى في شأن الأسرى في وقعة بدر. وذلك ما رواه مسلم عن ابن عبّاس ، والترمذي عن ابن مسعود ، ما مختصره أن المسلمين لما أسروا الأسارى يوم بدر وفيهم صناديد المشركين سأل المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفاديهم بالمال وعاهدوا على أن لا يعودوا إلى حربه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمسلمين «ما ترون في هؤلاء الأسارى» ، قال أبو بكر : «يا نبي الله هم بنو العمّ والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكفّار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام» وقال عمر : أرى أن تمكّننا فنضرب أعناقهم فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها فهوي رسول الله ما قال أبو بكر فأخذ منهم الفداء كما رواه أحمد عن ابن عباس فأنزل الله ما كان لنبي (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) الآية.
ومعنى قوله : هوي رسول الله ما قال أبو بكر : أنّ رسول الله أحبّ واختار ذلك ؛ لأنّه من اليسر والرحمة بالمسلمين إذ كانوا في حاجة إلى المال ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وروي أنّ ذلك كان رغبة أكثرهم وفيه نفع للمسلمين ، وهم في حاجة إلى المال. ولمّا استشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل مشورته تعيّن