والمعنى : فعليكم نصرهم.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) استثناء من متعلّق النصر وهو المنصور عليهم ، ووجه ذلك أنّ الميثاق يقتضي عدم قتالهم إلّا إذا نكثوا عهدهم مع المسلمين ، وعهدهم مع المسلمين لا يتعلّق إلّا بالمسلمين المتميزين بجماعة ووطن واحد ، وهم يومئذ المهاجرون والأنصار ، فأمّا المسلمون الذين أسلموا ولم يهاجروا من دار الشرك فلا يتحمّل المسلمون تبعاتهم ، ولا يدخلون فيما جرّوه لأنفسهم من عداوات وإحن ، لأنّهم لم يصدروا عن رأي جماعة المسلمين ، فما ينشأ بين الكفار المعاهدين للمسلمين ، وبين المسلمين الباقين في دار الكفر لا يعدّ نكثا من الكفار لعهد المسلمين ، لأن من عذرهم أن يقولوا : لا نعلم حين عاهدناكم أنّ هؤلاء منكم ، لأنّ الإيمان لا يطلع عليه إلّا بمعاشرة ، وهؤلاء ظاهر حالهم مع المشركين يساكنونهم ويعاملونهم.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير للمسلمين لئلّا يحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوما بينهم وبينهم ميثاق.
وفي هذا التحذير تنويه بشأن الوفاء بالعهد ، وأنّه لا ينفضه إلّا أمر صريح في مخالفته.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣))
هذا بيان لحكم القسم المقابل لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا)[الأنفال : ٧٢] وما عطف عليه. والواو للتقسيم والإخبار عنهم بأنّ بعضهم أولياء بعض خبر مستعمل في مدلوله الكنائي : وهو أنّهم ليسوا بأولياء للمسلمين ، لأنّ الإخبار عن ولاية بعضهم بعضا ليس صريحة ممّا يهمّ المسلمين لو لا أنّ القصد النهي عن موالاة المسلمين إيّاهم ، وبقرينة قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) أي : إن لا تفعلوا قطع الولاية معهم ، فضمير تفعلوه عائد إلى ما في قوله : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) بتأويل : المذكور ، لظهور أن ليس المراد تكليف المسلمين بأن ينفذوا ولاية الذين كفروا بعضهم بعضا ، لو لا أنّ المقصود لازم ذلك وهو عدم موالاة المسلمين إيّاهم.
والفتنة اختلال أحوال الناس ، وقد مضى القول فيها عند قوله : (حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة : ١٠٢] ـ وقوله ـ (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) في سورة البقرة